الإخوان المسلمون في سورية

في الذكرى العاشرة للثورة المباركة.. استراتيجية المواطن الفرد لا يملك غير نفسه وإرادته

بعد عشر سنوات من الثورة المباركة، بكل ما انطلقت منه من مشروعية، وما مثّلته من بطولات، وما قدّمته من تضحيات..
وبعد أن نجح المسيطرون على قرارات الثورة والمعارضة في تيئيس السوريين من نيل حقوقهم. وأصبح المواطن السوري الحر الشريف محاصراً بين قوسي اللامبالاة والتآكل..
ومن إيماننا أنّ الثورة السورية المباركة أحوج ما تكون إلى قيادة وطنية جماعية رشيدة وحكيمة، تستقبل من الأمر ما استدبرت، وتعيد التفكير والتقدير والتدبير، بعيداً عن الإملاءات والمناورات..
ولغياب كل ذلك، ولتعسّره في اللحظة الثورية الأصعب التي نعيش…
يعود المواطن الفرد إلى نفسه لينبذ على سواء للمستبد الظالم وهو يستعد لجولة جديدة من الانتخابات، ومن غطائه العملي في لعبة البحث عن الحل السياسي الملحون… يعود المواطن السوري الفرد المخذول لينبذ إلى أولئك وهؤلاء في الذكرى العاشرة للثورة بهذه الكلمات:
ونجدّد العهد مع الله فنظلّ ننادي كما نادى الشهداء الأطهار من قبل: هي لله.. هي لله.
ثم نجدّد العهد مع الشهداء الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فقضوا ومضوا أننا على الطريق التي سلكوا ماضون، وأنّ بيعتنا بيعة صدق لا نقيل ولا نستقيل. ونسأل الله الثبات على الأمر والعزيمة على الرشد.
ثم نجدد العهد ثالثا مع أنفسنا، ومع كل الأحرار والأخيار من أبناء شعبنا وأمتنا والنَّاس أجمعين أننا:
لن نذلّ..
ولن نخضع..
ولن نُخدع..
ولن نعطي الدنيّة لا في دين، ولا في نفس، ولا في حق..
لن نخوض مع الخائضين، ولن نساوم مع المساومين، ولن نسترسل مع المسترسلين.
وأننا…
سنداوي الجراح ببلسم الصبر.
وسنمسك على المكروه أنفسنا
وسنظل نغذي في نفوس أجيالنا معاني العزة والإباء..
وسنظل متعاونين على البر والتقوى ما وسعنا الجهد وامتد بِنَا العمر.
ونعلنها…
في هذه الذكرى المباركة للثورة الأكثر مصداقية ونورا وبرهانا، براءةً من المستبدين والفاسدين، ومن المفرطين والمبدلين…
ونعلم هؤلاء المفرّطين المبدّلين، أن صمتنا عنهم، وعن ترددهم وتردّيهم -حين نصمت- ليس صمت إقرار، وإنما هو صمت إعراض، حتى يعلم الذين لا يعلمون..
ونعاهد الله ثم الأخيار من أبناء شعبنا
أننا لن نمدّ يد ولاء لقاتل ولا لمجرم، ولن نكون ذباباً على قصعة طبخت من لحم أطفالنا، وأدّمت بدمائهم وأحلامهم..!!!
وأنّنا لن نوالي ظالماً ولا مستبداً ولا فاسداً داخل سورية، ولا خارجها، كبيراً كان أو صغيرا، سواء كانت ملاءته سوداء أو حمراء أو خضراء أو معصفرة أو محبرة.. وغيرُنا من يخدع برواغ العناوين، وبريق الشعارات.
وأنّنا لن نساير على طريق الكذب ولو خطوة، ولن نلحق كذاباً إلى وراء الباب. وإنَّ قطع ذراع على طريق الحق خير من قطع ميل على طريق الباطل.
ونعاهد سورية الوطن الحبيب بعد أن صارت بفعل أولئك وهؤلاء، الأرض اليباب، أننا لن نكون شركاء في ملحمة تبضيعها، وأننا ندرك ثقل التركة، وحجم الأمانة، وضريبة الطريق، وأن الثورات لا تنتصر بوعد وزير، ولا بمنحة مانح.
وسوف يجمّلنا إدراكنا لواقعنا بالصبر، والمصابرة، وسوف يردنا يقيننا بالله ثم بحقنا إلى المزيد من العمل وحسن الاتكال..
وندرك -من موقع حُشر شعبنا فيه- أننا لا نملك، في يومنا هذا، غير كلمة “لا”وسنظل نتمسك بها، ونلقي بها، مهما امتدت بِنَا الأيام، في وجوه المستبدين والفاسدين والمتسلقين والأدعياء..
وستظل “لاؤنا” الكبيرة حصننا ودرعنا ومعتصمنا..
وسنطبعها في عقولنا وقلوبنا، وسنخطّها على جباهنا، وسنورثها أبناءنا وأحفادنا : لا تذلوا.. ولا تُخدعوا…ولا تَخدعوا
لا هذه هي الشمعة الباقية في ظلمة الليل التي قادنا إليها المفرطون..
ونقول: لا.. ولن نخدع..
وأننا لم ولن نخدع بانتخابات ولا بدستور، ولا بحلّ سياسي يسوقه روسي أو أمريكي؛ فكل من في سوق العبودية نخاس زنيم..
ونقول : لا…
ولن نأتلف معهم على مغنم، وكل مغنمهم رخيص، ولن نفاوض على دماء شهدائنا، ولا على عذابات ضحايانا، ولا على حريتنا وقد ولدتنا أمهاتنا أحرارا..
ونعتصم بلائنا هذه ونعلم أننا لا نملك غيرها، ولا نقدر في الظرف الذي حاصرنا به طرفا الكماشة المحكمة علينا، على سواها…
ونعلن في عهدنا مع شعبنا…
أن كل السوريين الأحرار الأخيار فئتنا، وأننا فئة لهم، نأوي إليهم، ونحبّ لهم من الخير ما نحب لأنفسنا، ونؤكد أننا معهم وبهم، لا نريد ((عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا)) وإنما نريد عدلاً وبراً وقسطاً وأمناً وحباً يجمعنا ويغمرنا ويغمر أجيالنا.
ونؤكد..
أننا لن يقنعنا في يومنا ولغدنا، إلا وطن حر عزيز سيد موحد بأرضه وسمائه، ببره وبحره، وبإنسانه، وبرجاله ونسائه..
ونتمسك..
بالحل السياسي العادل، يجمع كل السورين الأحرار الأخيار، غير القتلة والمجرمين والفاسدين والمفرطين والمغامرين والمقامرين…
يجمع كل السوريين على صندوق تصنعه إرادتهم الحرة، بوعيهم الجمعي الأصيل، وإيمانهم بوحدتهم وبذاتهم وبهويتهم وحضارتهم ويومهم وغدهم..
وإلى مثل هذا الصندوق نسعى، وعليه نجتمع، ومنه ننطلق، لا وكس ولا شطط، ولا أثرة ولا استئثار…
مواطنون متساوون كأسنان المشط في تحمل العبء، وفي أداء الحق.
وننبذ العصبية العمياء..
وحمية الجاهلية الجهلاء.. للدين والمذهب والطائفة والقوم والعشيرة والمدينة والبلدة والحزب…
ومن كل ذلك ذقنا، وبكل ذلك ابتلينا. ونبرأ من كل ذلك ومن الداعين إليه، والمنغمسين فيه..
ونبرأ إلى الله ثم إلى الناس من الغلو في كل شيء، الغلو في الفهم وفي الفكر وفي السلوك، والغلو في الدين أو في المذهب أو في المبدأ.
ونعاهد الله..
ثم نبذل عهدنا لكل من يعاهد عليه..
ونحن نقدر ما نحن فيه مما آل إليه أمرنا بفعل تآمر المتآمرين، وخذلان الخاذلين، وتفريط المفرطين، وتقاعس المتقاعسين، وطمع الطامعين..
ونصبر ونصابر ونجد ونعمل، ونفكر ونقدر وندبر، ونعقل ونتوكل، حتى يفتح الله بيننا وبين ظالمنا بالحق وهو خير الفاتحين.
وَيَا باغي الخير أقبل وَيَا باغي الشر أقصر
التوقيع: مواطن سوري لا يملك غير نفسه وإرادته..
مثابة لكل من يأبى أن يذل أو أن يهون أو أن يتاجر باسمه المتاجرون..
ببركة ذكرى الإسراء والمعراج نسري

زهير سالم

مدير مركز الشرق العربي، قيادي سابق في جماعة الإخوان المسلمين في سورية