الإخوان المسلمون في سورية

الثابتون على الحق

موفق شيخ إبراهيم
نحن المسلمون أصحاب الدعوة الحق، ينادي علينا الحقَّ سبحانه وتعالى من خلال خطاب قائد الأمَّة صلى الله عليه وسلم فيقول:
((فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ)) سورة الزخرف: ٤٣ – ٤٤.
فمن اللزام على كلِّ مسلمٍ أن يبحث عن مكانه، وموقعه بين الآخرين ليعود من جديدٍ إلى الريادة، وهي لبوسه الأصلي والطبيعي بعد طول غيابٍ وانتظار، ليعلم بعد ذلك ما هي الثغرة التي يتوجَّب عليه حراستها، وفي البيان النبوي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كلُّ رجلٍ من المسلمين على ثغرة من ثغر الإسلام، فالله الله أن يؤتى الإسلام من قبلك”.
وقال الحسن البصري: “يأتي الإسلام على كل رجلٍ يوم القيامة فيقول: يا رب هذا نصرني، وهذا خذلني حتى يأتي على عمر بن الخطاب فيقول: يا رب كنت غريباً حتى أسلم هذا الرجل”. وبالطبع فإنَّ عمر رضي الله عنه لم يعلن إسلامه، ثم ركن إلى بيته يعبد الله؛ ولكنه سعى حثيثاً في بناء القوة الذاتية للأمة.
وحين ختم الله بالإسلام رسالات السماء، وختم النبوة بمحمَّد صلى الله عليه وسلم ائتمن أمَّةَ الإسلام عل حمل العبء في قيادة قافلة الإنسان نحو سعادة الدارين حيث الحضارة الإنسانية المثلى في هذه الدار، والعاقبة الحسنة لأهل التقوى.
ومن دروس التاريخ, واستنارةً به: “لمَّا زحف شهاب الدين محمَّد بن سام الغوري – المتوفَّى سنة 602هـ – على الهند، قاتَلَهُ[بتهورا] ملك [أجمير] قتالاً شديداً، وانهزمت عساكر المسلمين هزيمةً منكرةً، ورجعت إلى [لاهور] واعتصمت بها.
وعاتب السلطانُ الأمراءَ [الغورية]، وأمراء [خراسان]، الذين لم يثبتوا في المعركة عتاباً شديداً، وعلَّق في كلِّ عنُقٍ كل واحدٍ منهم عليق شعيرٍ، وقال: أنتم دوابُّ، ما أنتم أمراء!. وسار إلى [غزنة] ـ عاصمة ملكه ـ يُعدُّ العدَّة للكرَّة بعد الفرَّة، وظلَّ لا يهنأ له طعامٌ ولا شرابٌ، ولا يحلو له نومٌ ولا راحةٌ؛ ثمَّ ركب في جيشٍ عظيمٍ، ولم يستشر في ذلك أحداً، ولمَّا سأله أحد الأمراء عن قصده تنفَّس الصعداء، وقال: إنني لم أنم على فراشي منذ لقيت الهزيمة من أمراء الهند، ثمَّ حسر قباءه، وقال: أترى إنني لم أغيِّر ثيابي منذ ذلك اليوم، وقال: إنني لم أر وجه هؤلاء الأمراء الذين خذلوني في الميدان، وأسلموني إلى العدو. وقال يخاطب جيشه: “إنَّه يتحتَّم علينا نحن المسلمين أن نغسل هذا العار الذي لحق بالإسلام والمسلمين، وأن ننفض عنا غبار الهزيمة التي لقيناها في العام الماضي”. فوضعوا أكفَّهم على السيوف، وأطرقوا رؤوسهم سمعاً وطاعةً، ثمَّ توجَّه إلى الهند، وبعث برسالةٍ إلى [بتهورا] يدعوه إلى الإسلام والطاعة. وأخذته العزة بالإثم فرفضه في كبرٍ وغضبٍ، وحمل السلطان عليه حملةً شديدةً، وانتصر انتصاراً باهراً، وتأسست الحكومة الإسلامية في الهند التي دامت في أشكالٍ مختلفة أكثر من سبعة قرونٍ، وكان ذلك في سنة 588هـ ـ 1193م”.
إنَّ عملية الإحياء الإسلامي إنما تبدأ من إسقاط اللافتات الكاذبة، وفضح الشعارات المزركشة الزائفة التي تتخفَّى وراءها العلمانية بأفكارها وأنشطتها لتبثَّ سمومها في عقول أبنائنا، وتحفزُّهم ضدَّ إخوانهم الصادقين في توجهاتهم والعارفين بحقيقة هذا الصراع وخطره على الدين وجنده.
قال الله تقدست صفاته: ((مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)) سورة آل عمران: ١٧٩. وآن أوان فضح أعداء الدين اتخذوا من [الإسلام فوبيا] ستارةً ليعلنوا من خلفها خططَ حربِهِم لنا. قال الله جلَّ وعلا: ((وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ)) سورة الأنعام: ٥٥.
إنَّ وضوح الكفر والإجرام. واستبانة سبيل المجرمين هدفٌ من أهداف التفصيل الرباني للآيات. ذلك أن أيَّ شبهة في موقف المجرمين وفي سبيلهم ترتدُّ شبهة في موقف المؤمنين وفي طريقهم. فهما صفحتان متقابلتان، وطريقان مفترقتان. ولا بدَّ من وضوح الألوان وتباين الخطوط.
ومن الأدبيات التي يتربَّى عليها المسلم ما صحَّ في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لا تقولوا للمنافق سيدنا، فإنه إن يك سيِّدكم فقد أسخطتم ربكم عزَّ وجلَّ”.
وهذه التعرية لمواقف أعدائنا تسهم في كسر حدَّة الانبهار بالغرب لدى أجيالنا، وتدعوها إلى تقييم موقفها منه من جديد. كما تسهم في مسيرة النهوض الحضاري من خلال اعتزاز هذه الأجيال بإسلامها، ومنظومة القيَم التي حباها المولى عزَّ وجلَّ بها.
ومشكلة بعض الإسلاميين، وبعض الرموز التي ترنو الأنظار إليها مجاملة العلمانيين الذين يتهجَّمُون على ثوابت الأمة، ويحاربون الله ورسوله فهؤلاء لا مهادنة معهم.
وفي ذاكرتنا التاريخية هذا الموقف المشرِّف لعملاق الإسلام أبي حفصٍ رضي الله عنه، فعن طارق بن شهاب قال: خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشام، ومعنا أبو عبيدة بن الجراح فأتوا على مخاضة، وعمر على ناقة له فنزل عنها، وخلع خفيَّه فوضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة؛ فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين أنت تفعل هذا، تخلع خفيَّك، وتضعهما على عاتقك، وتأخذ بزمام ناقتك، وتخوض بها المخاضة؟ ما يسرُّني أن أهل البلد استشرفوك. فقال عمر: “أوه لم يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالا لأمَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم. إنا كنا أذلَّ قوم فأعزَّنا الله بالإسلام فمهما نطلب العزة بغير ما أعزَّنا الله به أذلنا الله”. ومرّ رجلٌ على عمر رضي الله عنه، وقد تخشَّع وتذلَّل وبالغ في الخضوع، فقال عمر: ألستَ مسلماً؟ قال: بلى! قال: فارفع رأسك، وامدد عنقك؛ فإنَّ الإسلام عزيزٌ منيعٌ. وكثيراً ما كنت أتساءل: هل حقَّقنا في نفوسنا ومسارنا في الحياة قوله تعالى: ((خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ)) سورة الأعراف: ١٧١.
إنَّ إنارة الطريق للعالمين واجب كلِّ مسلمٍ، وليس لدينا رجال دينٍ، أو كهنوت. ولا يمكن لكلِّ من أسلم وجهه لله أن يرقٌأ له جفن، أو تكتحل عينُه بنومٍ حتى يُمسيَ أداء الواجب همَّاً له لا يحيدُ عنه، وعزماً لا محيص عنه.
قال الألوسي في معرض تنويره قول الله تبارك في علاه: ((أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ)) سورة الشورى: ١٣: “أي دين الإسلام الذي هو توحيد الله تعالى وطاعته والإيمان بكتبه ورسله وبيوم الجزاء وسائر ما يكون العبد به مؤمناً؛ والمراد بإقامته تعديل أركانه وحفظه من أن يقع فيه زيغٌ والمواظبةُ عليه”. وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين.

محرر الموقع