الإخوان المسلمون في سورية

الميثــاق الوطني في سـوريـة

المنبثق عن المؤتمر الوطني الأول للحوار بتاريخ (23 – 25) آب/أغسطس 2002

أولا ً: تمهــيد
إن حالة الاستبداد السياسي، وغياب الديمقراطية، واستمرار قوانين الطوارئ والأحكام العرفية ما يقرب من أربعين عاماً، واحتكار السلطة وفرض الوصاية على الشعب وقواه الحية، قد جسدت حالة من القهر والظلم، والاستئثار بالقرار الوطني، وتغييب الآخر وإقصائه وإلغائه .. وأدى ذلك إلى انهيار وطني شامل تمثل في ضياع الجولان وتمزق الوحدة الوطنية وضرب قيم السيادة الشعبية والمواطنة، وتغييب الحوار وصيرورة الفساد منظومة معممة وغياب الشرعية السياسية. هذا الواقع المأساوي، دفع جمعاً من القوى السياسية والشخصيات الفكرية والثقافية والحقوقية، إلى إصدار ميثاق وطني، يكون عتبة للحياة السياسية السورية في طموح عودة العافية للوطن والكرامة للمواطن في جمهورية ديمقراطية تعيد السيادة للشعب وحق المشاركة لكل إنسان في ظل روح التسامح والحوار والتعاون على نهضة الوطن وتحرير أرضه. لم تعد الحريات الأساسية والحقوق السياسية والمدنية مسألة فيها نظر. ولم يعد أمام الشعوب التي تعاني من أنظمة تسلطٍ في طور الانقراض أن تطالب بحقوقها، بل أصبح عليها أن تمارسها. باعتبار هذه الحقوق إنجازاً سياسياً وحضارياً مشتركاً للشعوب، وحقاً أساسياً من حقوق الناس. فبقدر ما تعود للمواطن حقوقه يستعيد الوطن عافيته في بيئة صحية تسمح بالتنمية الاقتصادية والتطور الاجتماعي والنضج الثقافي والروحي الضروري لتوازن الأمم والشعوب. إن الإيمانَ بالحوار، والدعوةَ إليه، لا يمكن أن يكون في المطلق، ولا تنشأ في الفراغ، فلسنا (نحن أبناء سورية) نجماً فَقَدَ موقعَه، أو كوكباً أضاعَ مدارَه، بل إنّ لنا وجوداً ثابتاً وراسخاً على خريطتي الزمان والمكان:
1- يشكل الإسلام بمقاصده السامية، وقِيَمه العليا، وشريعته السمحاء؛ مرجعيّةً حضاريّة، وهويّةً ذاتيّةً، لأبناء هذه الأمة، يحفظُ عليها وجودَها، ويُبرز ملامحَ خصوصيّتها، ويشكّل مضمونَ خطابها للناس أجمعين. إن الحضارة العربية الإسلامية تشكل منهلاً أساسياً لثقافة أبناء الوطن وكيانهم، توحد بينهم وتلهمهم الثقة بالحاضر والمستقبل.
2- إن انتماء قطرنا إلى منظومته العربية يُعتبَرَ أساساً في بناء أيّ استراتيجيةٍ سياسيةٍ مستقبلية. ومن الضروريّ أن يعبّر هذا الانتماء عن نفسه، في تجسّدٍ واقعيّ فعّال، يوثّق الروابط، ويؤكّد العلائق، ويسير بالأمة في طريق التوحّد، ضمن سياساتٍ منضبطةٍ ومدروسة، ولا يجوز أن يبقى متمثّلاً في رؤى ذهنية، أو في مشاعرَ أو أحلامٍ عاطفية.  ثم إن المواجهةَ بين العروبة والإسلام، كانت عنوانَ مرحلةٍ تاريخيةٍ تصرّمت، ولقد نشأت تلك المواجهةُ عن عواملَ من الانفعال وسوء الفهم، وحمّى الإيديولوجيا التي سادت المناخَ العامّ في فترات ما بعد الاستقلال. وكما كان انتماء قطرنا إلى إسلامه، هويّةً ومرجعية،ً غيَر مُضرٍّ بوحدته الوطنية، فإن انتماءه إلى عروبته لا يحمل أيّ بُعدٍ عنصريّ أو استعلائيّ، ولا يحرم الشعوب التي تعيش في الوطن العربي من حقوقها الأساسية، ليجد أبناء الوطن أجمع، سرّ مواطنتهم في روح العدل و التآخي والمساواة، والمشاركة التاريخية في سرّاء الوطن و ضرّائه على حدٍّ سواء.
3- إنّ هذا التأكيد على المرجعيّة والبعد الحضاريّ البنّاء لا يحول بيننا وبين استلهام الإنجازات العالمية الكبرى على صعيد حقوق الإنسان والحريات الأساسية، ويحثنا على الاستفادة من تجارب الأمم، وخبرات الشعوب، ومُعطَيات العصر الذي نعيش. بل إننا مدعوّون حسب مُرتَكزاتنا الحضارية، إلى أن نخوضَ غِمارَ التنافس إلى أقصى مداه، لنكون في التاريخ طرفاً فاعلاً معطاءً. وتبقى الحكمةُ بكلّ أبعادها، ضالّتَنا، أنّى وجدناها فنحن أحقّ بها و أهلُها.

ثانياً : الأهداف العامة
يسعى الموقّعون على هذا الميثاق، من خلال جهدهم السياسيّ النظريّ والعمليّ، إلى تحقيق الأهداف العامة التالية:
الهدف الأول: بناء الدولة الحديثة
وللدولة الحديثة تجسّداتها الملموسة في الحياة الواقعية التي تشمل الفردَ والمجتمع. فالدولة الحديثة، دولةٌ تعاقديّة، ينبثق العقد فيها عن إرادةٍ واعيةٍ حرّةٍ بين الحاكم والمحكوم. والصيغة التعاقديّة للدولة هي إحدى عطاءات الشريعة الإسلامية للحضارة الإنسانية. في الدولة الحديثة يشكل احترام المواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان مؤشراً ومرجعاً رئيساً لاحترام الحريات الأساسية وحقوق الأفراد والجماعات. والدولةُ الحديثة دولةٌ مؤسّسيّة، تقوم على المؤسّسة من قاعدة الهرم إلى قمّته. كما تقوم على الفصل بين السلطات، وتأكيدِ استقلاليّتها. فلا مجالَ في الدولة الحديثة لهيمنة فردٍ أو سلطةٍ أو حزب، على مرافق الدولة، أو ابتلاعها. وفي الدولة الحديثة، تعلو سيادة القانون، ويتقدّم أمنُ المجتمع على أمنِ السلطة، ولا تحلّ فيها حالةُ الطوارئ مكانَ الأصل الطبيعيّ من سيادة القانون. والدولة الحديثة، دولةٌ (تداوليّة)، ومن هنا جاء الاشتقاق اللغويّ لكلمة “الدولة”، وتكون صناديقُ الاقتراعِ الحرّ والنزيه، أساساً لتداول السلطة بين أبناء الوطن أجمعين. والدولةُ الحديثة دولةٌ تعدّديّة، تتباينُ فيها الرؤى، وتتعدّدُ الاجتهادات، وتختلفُ المواقف، وتقوم فيها قوى المعارضة السياسية، ومؤسّسات المجتمع المدنيّ، بدور المراقب والمسدّد، حتى لا تنجرف الدولة إلى دائرة الاستبداد أو مستنقع الفساد. ويتركّز دور الجيش في الدولة الحديثة في الدفاع عن الوطن وفي حمايته من أيّ عدوانٍ خارجيّ. ويكون شرفُ الانتماء لهذه المؤسسة الوطنية، حقاً عامّاً لجميع المواطنين، على أسسٍ من المساواة والعدل.
الهدف الثاني: مواجهة تحدّي البناء العام
بناء الإنسان الفرد تربيةً ووعياً وسلوكاً والتزاماً، في عصرٍ تعصِف فيه رياحُ العولمة، بروح الإنسان وخصوصيّته وانتمائه. وبناء المجتمع المتكافل المتضامن، الذي تسوده المحبّة والإخاء، وروحُ العدالة الاجتماعية في صورتَيها: الأصيلة وما فيها من تلاحمٍ وتعاون، والمعاصِرة وما فيها من تنظيمٍ ومؤسّساتية. وبناء مؤسّسات المجتمع المدني بوحداتها السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والمهنية، لتأخذَ دَورَها في حماية المجتمع وترشيده. وبناء روح (الإنجاز) وقبولِ التحدّي، ومقاومةِ كلّ أشكال الاسترخاء، والتواكل، والأنماط الاستهلاكية المدمّرة والكَسلى. وبناء النظم والآليات التي تُعين على استغلال ثروات الوطن، وتوظيفها في تطويره ونمائه، والحفاظ على كرامة أبنائه. وبناء الضوابط والقواعد التي تحول دون انتشار الفساد بأشكاله وألوانه، وحياطة المال العام، وصَون ثروات الوطن. وبناء خطط التنمية العامة، لإخراج القطر من رهق المديونية، وأسر صندوق النقد الدولي واشتراطات النظام العالميّ الجديد.
الهدف الثالث: التصدّي للمشروع الصهيونيّ
يشكّل المشروعُ الصهيونيّ، بأبعاده العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية، الخطرَ الأكبرَ الذي يهدّد أمتنا وقطرنا، ويستدعي جَمعَ القوى، وحشدَ الطاقات للتصدّي له. وهو مشروعٌ يسعى للسيطرة على الإنسان والأرض والثروة. يؤكّد الموقّعون على هذا الميثاق، عروبةَ الأرض الفلسطينية، وحقَّ الشعب الفلسطينيّ في المقاومة والعودة الكريمة إلى أرضه ودياره، وتقرير مصيره ، وبناء دولته المستقلّة على أرض فلسطين وعاصمتها القدس الشريف. يتمسّك الموقّعون على هذا الميثاق، بالأرض السورية المحتلّة، ويتعاونون ويتعاضدون لاستعادتها كاملةَ السيادة. يضع الموقّعون على هذا البيان، الخططَ والبرامجَ والآلياتِ المناسبة، لمقاومة المشروع الصهيونيّ بأبعادِه كافّة، ولتعزيز سياسات المقاطعة، ووقف عمليّات التطبيع والحديث الملحون عن “سلامٍ” يُمكّن للعدوّ في الأرض، أو في الثروة، أو في إرادة الإنسان.
الهدف الرابع : السعي إلى تحقيق الوحدة العربية
إنّ السعي لتحقيق الوحدة العربية على أسسٍ متينةٍ من الروابط الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، والسياسية.. واجبٌ شرعيّ، وضرورةٌ قومية. وإلى أن تتوفّر الشروط الموضوعيّة لهذه الوحدة ، لا بدّ من العمل على إعادة التضامن العربيّ، وتجاوز كلّ الخلافات البينيّة، وفتح الحدود بين جميع الدول العربية، وإقامة سوقٍ عربيةٍ مشتركة، للارتقاء بالعلاقات العربية العربية، إلى مستوى التحدّيات السياسية والاقتصادية والثقافية التي تواجه الأمة.

ثـالثـاً : أسسٌ والتزامات
يؤكّد الموقّعون على هذا الميثاق:
1 – أنّ المواطنَ الحرّ الموفورَ الكرامة، هو أساسُ بناء الدولة الحديثة، وإنّ أيّ إصلاحٍ سياسيّ، أو اقتصاديّ، أو اجتماعيّ، لا يمكن تحقيقه إلاّ من خلال احترام الإنسان وتكريمه، ورعاية حقوقه الإنسانية، والمدنية، والسياسية. ومن ذلك حقّه في المشاركة الإيجابيّة في صنع حاضر الوطن ومستقبله.
2- وأنّ المواطنةَ حقوقٌ وواجبات، وأنّ المشاركةَ الإيجابيّة في القرار الوطني، وفي حماية الوطن، وفي بنائه والارتقاءِ به، واجبٌ وطنيّ، ليس لأحدٍ حقّ الاستقلال به، أو الحجر عليه.
3- وأنّ الاختلافَ بين الناس في الرؤية والاجتهاد والموقف، سنّةٌ من سنن الخلق، وحقيقةٌ من حقائق الوجود الإنسانيّ العام. وأنّ هذا الاختلافَ مشروعٌ ومُعتبَر، ما دام في إطار الثوابت الوطنية، وفي توجّهات الخير والنفع العام (ولكل وجهة هو مُولّيها، فاستبقوا الخيرات).
4 – وأنّ تعبيَر ( الناسُ سواسيةٌ كأسنان المشط ) تجسيدٌ حسّيّ لواقع المساواة بين الناس، التي كان للشريعة الإسلامية وحضارتنا شرف التقدّم بها إلى العالمين، وأنّ المساواة، وتكافؤ الفرص، يثمران الوحدة الوطنية، التي هي القاعدةُ الأمكنُ للبناء الوطنيّ المنشود.
5 – وأنّ الاعترافَ بالآخر الوطنيّ (الدينيّ والمذهبيّ والسياسيّ والفكريّ والثقافيّ.) ركيزةٌ أساسيّةٌ من ركائز التفكير والحركة. ولقد أثبتت الأيامُ فشلَ سياسات الاستئصال أو التشويه أو تجفيف المنابع. فليس في وسع أحدٍ أن يمحوَ الآخرَ أو ينفيَه.
6- وأنّ الحوارَ البنّاء، والجدالَ بالتي هي أحسن، هما الوسيلةُ الأقربُ والأرقى للتعامل مع الآخر وفهمه، وبناء جسور التعارف والتقارب والتواصل معه، وإنّ من شأن الحوار الإيجابيّ أن يؤكّدَ على “المشترك” وأن يحدّدَ ويُضيّقَ مساحات الاختلاف.
7- وأنّ أيّ اختلافٍ في الرؤى العامة والسياسات العليا والقرارات المصيرية، تحكمه الأكثرية عبر صناديق الاقتراع الحرّ والنزيه، أو مؤسّسات الدولة المنبثقة عن صناديق الاقتراع الحرّ والنزيه، أو القضاء العادل المستقل.
8- كما يؤكّد الموقّعون على هذا الميثاق، على التمييز المطلق بين مصطلح الدولة (أرض ـ شعب ـ سلطات ـ قانون) وبين مصطلح الحكومة ( السلطة التنفيذية ) ويحذّرون من تغوّل السلطة (التنفيذية) أو (الأمنية) على مقدّرات الدولة ( إنسانها ـ ومرافقها).

يلتزم الموقّعون على هذا الميثاق:
1- بمواجهة التحدّيات الخارجية المفروضة على الوطن، مهما كان مصدرها وصبغتها، بروح البنيان المرصوص، مُعلين من شأن التضحية في سبيل حماية الوطن وأمنه وعزّته.
2- بتقديم مصلحة الوطن العليا على المصالح الذاتية والخاصة، في كلّ الموازنات السياسيّة، مهما كان في التنازل عن المصلحة الذاتية من ألمٍ أو تضحيةٍ أو شعورٍ بالغبن.
3- بممارسة دَورِهم في الحياة العامة، بشفافيةٍ مطلقة، وتحتَ الشمس، بعيداً عن جميع أشكال التعتيم أو السرّية. ويقاومون كلّ الأسباب والمدخلات التي تؤدّي إلى إحراج العمل الوطني، أو دفعه للتستّر والاختباء. ويشمل هذا الوضوحُ والنقاء: المبادئَ والبرامجَ والسياساتِ والأنشطةَ والعلاقات.
4- بآليّات العمل السياسيّ الديمقراطيّ ووسائله، مؤكّدين الحقّ المتكافئ للجميع، في الاستفادة من إمكانات الدولة في توضيح مواقفهم، والانتصار لرؤاهم، وطرح برامجهم.
5- بنبذِ ( العنف ) من وسائلهم، ويرَون في الحلول الأمنية لمشكلات ( الدولة والمجتمع )، وفي عنف السلطة التنفيذية، مدخلاً من مداخل الفساد. ويميّز الموقّعون على هذا الميثاق، بين الإرهاب الدوليّ كوسيلةٍ من وسائل بثّ الذعر، والابتزاز السياسي، وبين أشكال المقاومات الوطنية، التي تلجأ إليها الشعوب في الدفاع عن حقوقها والانتصار لقضاياها.
6- بالتعاضد على حماية حقوق الإنسان، والمواطن الفرد، والانتصار للمظلوم والمستضعف، وصَون المرأة والدفاع عن حقوقها، والتأكيد على مساواتها مع شقيقها الرجل في اعتبارات الأهلية الإنسانية والمدنية.
7- كما يُبدي الموقّعون على هذا الميثاق، تفهّمَهم للتدرّج في تحقيق الأهداف العامة لهذا الميثاق، في ظلال الشعور بالمسؤولية الوطنية، وتقديرَهم لظروف الواقع ومتطلّباته، مؤكّدين في الوقت نفسه على ضرورة معالجة الملفّ الإنسانيّ بكلّ أبعاده، معالجةً سريعةً وشاملة.
(وقل اعملوا فسيرى اللهُ عملَكم ورسولُه والمؤمنون ، ثم تُرَدّون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون)
لندن في 16 من جمادى الثانية 1422 الموافق 25 من آب/ أغسطس 2002