تعتبر السلطة القضائية مرجع الأمة الأساس في تحقيق العدل، وملاذها من كل أشكال البغي والظلم. والظلم ليس فقط ما يمارسه قوي على ضعيف، أو غني على فقير؛ بل إن للظلم أشكاله المعنوية التي تتجاوز في كثير من الأحيان أشكاله المادية. كما أن الظلم الذي تمارسه المؤسسات العامة، ضد الأفراد أو الجماعات، هو الذي يشيع الفساد، ويحاصر الناس في زوايا القهر والشعور بالمهانة، ويدفعهم إلى حالات من السلبية واللامبالاة.
فلا سلطان على القاضي إلا القانون[1] ، وهذه السلطة القضائية المستقلة هي الركن الذي يأوي إليه القاضي في انحيازه دائماً إلى جانب الحق والعدل، ورفضه لكل أشكال الضغوط المادية والمعنوية التي يمكن أن تمارس عليه بمعطيات الترغيب والترهيب، ولقد حفل تاريخنا الإسلامي بأمثلة نيرة لقضاة حاكموا الخلفاء الذين أسندوا إليهم مهمتهم، وحكموا عليهم لا لهم، وكانت مرجعيتهم الأولى، قوة (الحق) الذي يمثلون، دون أن يأخذوا باعتبارهم أن سلطة فوق سلطتهم، وأن مستعلياً يمكن أن يخرج على حكمهم.
في مبدأ (فصل السلطات) اعتبر القضاء سلطة مستقلة قائمة بذاتها. ولكن حين تذوب هذه السلطات في سلطة، وهذه السلطة في (فرد)، لا يبقى للشعوب ولا للمظلومين أو المحرومين من عاصم سوى ضمير القاضي وتساميه فوق كل الصغائر الذي تسعى لارتهان الصغار من بني الإنسان.
[1] المستمد من الشريعة أو الذي لا يتعارض معها
المصدر: المشروع السياسي لسورية المستقبل- رؤية جماعة الإخوان المسلمين في سورية