جماعة الإخوان المسلمين أصالة في الفكر وتجدد في الأساليب
مثلت جماعة الإخوان المسلمين، منذ تأسيسها في منتصف القرن الرابع عشر الهجري، حركة تجديدية بالمعنى الشامل للإسلام. واعتبر كثير من علماء الأمة مؤسسها الإمام الشهيد حسن البنا، رحمه الله تعالى، أحد مجددي القرن، وذلك بما قدمه من رؤى وما أسسه من قواعد، وما طرحه من أهداف ووسائل.
وإذا كان لنا أن نختصر جهد الإمام رحمه الله تعالى في أسطر قليلة، فيكفي أن نشير إلى أنه قد نجح في إعادة بناء تصور شامل عن الإسلام: العقيدة والشريعة ومنهج الحياة، ثم أهم من ذلك في بناء القاعدة البشرية الحية التي تؤمن بهذا التصور، وتحمله رسالة جامعة تجاهد من أجله، وتتحمل الآلام في سبيله. ولقد استطاع الإمام البنا أن يعيد بناء التصور الإسلامي منطلقاً من ثوابت الإسلام الكتاب والسنة، متجاوزاً الكثير من ركام السنين، ومن أوضاع المسلمين.
ومن مصر انتقلت الحركة المباركة إلى بقية الأقطار العربية، ومنها سورية، على يد مؤسس الحركة الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله تعالى. إلا أن حق التاريخ علينا أن نوضح أن جماعة الإخوان المسلمين في سورية لم تنطلق من الصفر. وإنما قامت على أركان جماعات محلية صغيرة متناثرة في المحافظات السورية، كما ضمت بين جناحيها نخبة من رجال العلم والدعوة، أسهم كل واحد منهم في تغذية الحركة، ودفع مسيرتها إلى الأمام.
وقيام (جماعة) إسلامية تتبنى الإسلام بشموله ونقائه ووسطيته، لم يكن قط هدفاً مستقلاً قائماً بذاته، وإنما كان وسيلة إسلامية، في تحريك حالات الركود والجمود والإخلاد إلى الأرض، التي تصيب المجتمعات في مراحل ضمورها وانحسارها.
وقيام جماعة إسلامية من هذا النوع، لا يعني سلب الإسلام من الآخرين، ولا تجريدهم منه، كما لا يعني الاستئثار في تمثيله والتحدث باسمه، ومصادرة حق الآخرين في القيام بأمره، مادامت حركتهم ضمن دائرة الخطاب الإسلامي العام، وعلى أسس المنهج الإسلامي القويم. وكان التأكيد على أن قيام الحركة إنما هو صورة من صور الاستجابة لقوله تعالى: ((ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون)) وقوله تعالى: ((وما كان المؤمنون لينفروا كافة، فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)).
ولقد حدد هذا التصور الأولي لمهمة الجماعة ودورها، الأفقَ العام للقناعة الذاتية لقيادات الجماعة ولأبنائها على حد سواء.
ولئن كانت مسيرة الجماعة خلال العقود السابقة لتؤكد على أنها تستهدي بتراثها، وتعتز بأصالتها، وتجدد في أساليب حركتها، فإننا لنؤكد على أن جماعتنا اليوم في مرحلة تجديد الذات عن طريق مراجعة الماضي وتأمل الحاضر واستشراف المستقبل، وهي تسعى لتكون الحركة الإسلامية الوسط لتطبيق شريعة الله في حياة عباده بالاعتماد على أصول الدين والاستفادة من التجارب البشرية في مجالات التقدم والإصلاح ببرامج ووسائل قابلة للمراجعة والتقويم.
وهي تعتمد في مسيرتها على المفاهيم التالية:
1. تؤمن الجماعة أن الإسلام دين شامل لكل جوانب الحياة، وينظم العلاقة بين الإنسان وربه وبين الإنسان والإنسان، وهو بذلك دين عبادات ودين معاملات وتشمل تشريعاته كل الجوانب الروحية والثقافية والاقتصادية والسياسية للحياة. وتؤمن كذلك أن الإسلام لا يفصل الدين عن السياسة على أننا لا ندعو إلى دولة ثيوقراطية فنحن لا نقبل الشمولية التي تغلف الاستبداد البشري بالمقدس الديني، وتفرق بوضوح بين النصوص الإسلامية القطعية الثابتة في القرآن الكريم والسنة المطهرة وهي نصوص مقدسة وبين اجتهادات المسلمين القديمة والمعاصرة والتي تخضع للمراجعة والمناقشة ولا تحمل صفة القداسة.
2. تؤمن الجماعة أن الحكم العادل هو أحد الأهداف الكبرى في الإسلام، وأن الاستبداد السياسي هو عدوان على كرامة الناس وحقهم في اختيار النظام الذي يريدون لتحقيق إرادتهم ومصالحهم, وحقهم في مساءلته ومحاسبته وتقويمه (إن رأيتموني على حق فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فقوموني)، وتؤمن كذلك أن الإسلام بقيمه وأحكامه هو خير منطلق لتأسيس الحكم العادل الذي يحقق مصالح الناس في الدنيا والآخرة.
3. تدعو الجماعة إلى الوسطية والاعتدال وتبني منهج الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة في الدعوة إلى الله عز وجل، وهي تنظر إلى الحركات الإسلامية الأخرى و العاملين للإسلام في سورية نظرة احترام وتقدير وتناصح في الدين وجدال بالتي هي أحسن وتعاون على البر والتقوى، كما قال البنا في قاعدته الذهبية: (نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه)،وهي إن اختلفت معهم في جانب أو تصور اتفقت معهم في جوانب و تصورات.
4. تتعامل الجماعة كذلك مع الحركات والأحزاب غير الإسلامية من منظور القواسم المشتركة في سبيل مصلحة الأمة والوطن، وهي تؤمن بالحوار الفكري السياسي والتفاعل الضروري بين كل عناصر الأمة وفئاتها وتجتهد لتكون عنصر تقريب وتوحيد لا عنصر تباعد وتفريق وتشجع كل اجتهاد ثقافي أو اجتماعي أو سياسي لا يتعارض مع قواطع شرع الله، وتتفاعل معه.
5. تؤمن الجماعة بتغير الحلول مع تغير الظروف والمعطيات، وترى الإسلام ديناً تتفاعل نصوصه مع واقع الحياة ويقدم لها الحلول في إطار مقاصد الشريعة العامة، وهي لا تغفل في مسيرتها فقه الأولويات ووضع كل هدف في مرتبته، وكذلك فقه الموازنات الذي تغلب فيه المصالح على المفاسد من خلال الواقع المعيش، وكذلك الموازنة بين المصالح بعضها وبعض، وبين المفاسد بعضها وبعض، في ضوء معايير سليمة ومعتبرة.
6. تفرق الجماعة في التعامل بين العقيدة و العبادة، و الشريعة، فالعقيدة والعبادة تؤخذان جملة واحدة، أما الشريعة فالأصل في إبلاغها للناس تطبيقها في واقع الحياة التدرج، وكما أن عرى الإسلام تنقض عروةً عروة –أي تدريجياً- فإن العودة إليها يجب أن تكون كذلك، فنقل الناس إلى الانضواء من جديد تحت لواء الإسلام في تنظيمه الشامل لحياة الناس يقتضي التدرج في التطبيق، و لا يقال هنا إن التدرج قد أغلق بانقطاع الوحي وإكمال الدين، فليس الأمر تدرجاً في التشريع وإنما هو تدرج في التطبيق وبغيره تفوت المصالح ويقع الحرج ويعرض الناس جملةً عن الشريعة.
7. تحرص الجماعة على الاستفادة من تجارب الآخرين -فالحكمة ضالة المؤمن- وهي ليست حكراً على أمة دون أمة ولا على جيل دون جيل، ولو كانت كذلك ما دعا الحق سبحانه وتعالى المؤمنين إلى أن يسيروا في الأرض وأن ينظروا…كما تحرص على وضع حد لما هو شائع بين بعض دعاة الإسلام من استخفاف بتجارب الأمم والشعوب في مجال النظم السياسية والاقتصادية بدعوى أن المسلم لا يحتاج إليها أو أنّ الله سبحانه وتعالى لم يفرط في الكتاب من شيء و ترى أنه لا يجوز الرفض المطلق ولا القبول المطلق لأي مذهب أو نظرية من نظريات الإصلاح السياسي والاقتصادي أو الاجتماعي لأن الأمر مرهون بمصالح الأمة المنضبطة بميزان الشرع، وقد اقتبس عمر رضي الله عنه من أنظمة الدول الكبرى المعاصرة له، ولم يجد من الدين ما يمنعه من ذلك.
8. وتؤمن الجماعة أن مصلحة الأمة وأمنها واستقرارها يكمن في حرية العمل العلني للأحزاب والجماعات، فالأصل في الدعوة العلن والعمل السري هو الاستثناء وإن طال، و هذا لن يتم إلا بإقرار الحريات العامة، وإشاعة ثقافة الحوار في المجتمع بدل ثقافة الإقصاء و ثقافة التعايش بدل ثقافة الاستئصال،..وقد كان العمل السري ملجأ للجماعة من الممارسات القمعية التي واجهتها.. وانعكس ذلك سلباً على العمل برمته.. فالنمو الطبيعي و الطاقات البناءة المتسامحة لا تظهر إلا في أجواء الحرية والعدل، ولذلك فإن الجماعة تطالب بالحرية وبحقها في التعبير عن نفسها بشكل علني، وطرح برامجها بالطرق السلمية والديمقراطية.
9. تستنكر الجماعة الإرهاب سواء كان إرهاب دولة أو إرهاب الأفراد والجماعات، وتدعو لتعريف واضح له حتى لا يبقى ذريعة لمحاربة المستضعفين، وهي تعتبر الجهاد ضد المحتل حقا مشروعا أقره الإسلام، كما أقرته سائر الشرائع السماوية، والمواثيق الدولية، وقد مارسته الشعوب لتحرير بلادها في مختلف الأمكنة والأزمنة.