الإخوان المسلمون في سورية

بعد خمسة وأربعين عاماً.. الأستاذ عبدالله الطنطاوي في سورية عزيزاً كريماً

موقع إخوان سورية
وسط استقبالٍ حافلٍ وفرحٍ كبير، وصل إلى أرض الوطن الحبيب سورية، بحمد الله وكرمه ومنته، الداعية الأديب الأستاذ “عبدالله الطنطاوي”، بعد خمسة وأربعين عاماً قضاها في المهاجر والمنافي، كان خلالها في مقدمة الصفوف في مقارعة ومجاهدة نظام الإجرام والبغي، نظام الأسد (الأب والابن).
وبعد صبر وانتظار طويلين، دخل الأستاذ الطنطاوي بلده رافعاً رأسه، وأضحى الآن في بلده بين أهله وأصدقائه وأحبته، يستقبل المهنئين، معلناً انتهاء حقبة أليمة، وبداية عهد خير جديد، ومبشراً بمستقبل سورية المنشود.
يذكر أن الشيخ الطنطاوي خرج من دياره قسراً، مهاجراً بدينه، خفيةً من أعين النظام الغاشم، وهو في ريعان شبابه، حيث كان عمره وقتها خمسةً وأربعين عاماً، وهو الآن ابن التسعين، أي أنه قضى نصف عمره في وطنه والنصف الثاني في المنافي، أمضاها في الدفاع عن حقوق الشعب السوري وآماله وطموحاته في حياة حرة كريمة، فما هانت له في سبيل ذلك عزيمة، ولا حاد خلالها عن مبادئه وأهدافه، وما زادته التحديات والمحن إلا شراسة وقوة في المطالبة بالحرية للشعب السوري، والانعتاق من الظلم، فذاق من ويلاته سجناً وتعذيباً وهجرة وغربة، لكن ذلك لم يمنعه من تذكير الناس بقضيته، فعمل على فضح النظام في كل محفل، ولم يثنه التهديد والوعيد، أو تسلط النظام عليه، حتى في وثائقه التي منعت عنه في العقد الأخير من عمره.

تفاعلات مؤثرة:

وقد لاقت عودة الأستاذ الطنطاوي تفاعلاً وترحيباً كبيرين سواء على الأرض في سورية، باستقباله الحافل وجموع المهنئين، أو على وسائل التواصل الاجتماعي، من إخوانه وأصدقائه ومحبيه.
فقد كتب فضيلة المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سورية الدكتور “عامر البو سلامة”:
ها قد عاد علم من أعلام جماعة الإخوان المسلمين الأديب الأريب والكاتب الفذ، صاحب الإنجازات المتميزة، الأستاذ عبد الله الطنطاوي حفظه الله وبارك فيه، يعود بعد هجرة قسرية طويلة وهذه من آثار جرائم النظام البائد الذي سام شعبنا سوء العذاب، طيلة هذه العقود، وفي النهاية فإن العاقبة للمتقين… أستاذنا أبا أسامة الحمد لله أنك أصبحت بين أهلك وشعبك لنكون جميعاً عناصر بناء لسورية الحديثة على قيم الفضيلة وقواعد الرشد ومنارات الحضارة.
كما كتب الدكتور “إبراهيم أحمد الشردوب” تعليقاً على نبأ عودة الأستاذ الطنطاوي:
نحمد الله تعالى على عودة أستاذنا الكبيير عبد الله الطنطاوي.. القائد الرمز أحد أبطال الحركة الإسلامية والوطنية الذين قارعوا الظلم والطغيان وما لانت لهم قناة ولا فترت لهم عزيمة في مواجهة الباطل بكل الوسائل المتاحة….. العود أحمد أستاذنا الكبيير والملتقى أرض سورية الحبيبة التي عشقتها.
أما الأستاذ “حسان الصفدي”، فقد علّق بقوله:
وها قد عاد الأديب الأريب، والمعارض الصلب العنيد، والداعية العلم، والعجوز المحدودب الظهر، عاد كفتى هزه الشوق فانطلق سعيد، إلى وطنه الحر التليد، ولتزهو الشهباء به فيصلي في مساجدها من جديد، ويصعد قلعتها ويحمد الله على فضله العميم، وينشد لحلب: ها قد زهق الباطل، وعدت إليك مرفوع الراس، لنعيد تاريخنا المجيد.
أخي أبا أسامة، حفّتك رعاية الله وحفظه، وهنيئا لك بالعودة للوطن، وهنيئا للوطن الحبيب بك.
كما أشاد معلقون آخرون، بدور الشيخ الطنطاوي في مجالات الدعوة إلى الله تعالى، وتوعية الشباب المسلم، إضافة إلى بروزه الكبير في مجال الأدب، على مستوى بلاد الشام خاصة، والعالم الإسلامي عامة.
واستذكر آخرون بمشاعر جياشة بعض المواقف والذكريات، التي عرفوا فيها الأستاذ الطنطاوي عن قرب، سواء خلال وجوده في حلب قبل المحنة، أو في المهاجر المختلفة بعدها.

سيرة ذاتية حافلة:

والأستاذ الطنطاوي، هو كاتب إسلامي مبدع، أديب روائي ناقد، مهتم بأدب الطفل المسلم، وأدب الإنتفاضة الفلسطينيّة، وأدب ثورة الكرامة في سوريّة، مؤسّس ورئيس (الجمعيّة العربيّة المتحدة للآداب بحلب)، أحد مؤسّسي (رابطة الوعي الإسلامي) في سوريّة، مؤسّس ورئيس (رابطة أدباء الشام) والمشرف على موقعها الأدبي الرائع، عضو رابطة الأدب الإسلامي العالميّة، أحد النبهاء الغيارى على الثقافة، والفكرالإسلامي.
ولد في بلدة إعزاز التابعة لمدينة حلب، ترعرع في أسرة متديّنة تجلّ العلم وأهله، و نشأ في طاعة الله على قيم الإسلام وآدابه، متمتّعاً بالوعي الوطني والديني، والحرص على الصالح العام، عكف على المطالعة، وقراءة الأدب القديم والحديث، واطّلع على المدارس الأدبيّة، وبعد حصوله على الثانوية العامّة والشرعيّة، التحق بجامعة دمشق، ونال الإجازة في الآداب، من قسم اللغة العربيّة، ودبلوم الدراسات العليا من الجامعة اليسوعيّة في بيروت سنة 1336/1977 واشتغل بعد حصوله على الإجازة في اللغة العربيّة سنة 1384/1964 مدرّساً في ثانويات حلب.
شارك في تأسيس (رابطة الوعي الإسلامي) سنة 1374/1954 مع الشاعرين محمد منلا غزيل، ومحمد محمود الحسناوي، وكان على صلة طيّبة بأحمد مظهر العظمة، ومصطفى السباعي، عبد الرحمن زين العابدين، وتتلمذ على الشيخ عبد الكريم الرفاعي، وخالد الجباوي، ونايف عبّاس وغيرهم من المربين الأجلاء.
بدأ يكتب في سن مبكّرة مقالات ناضجة وهو في مرحلة التحصيل العلمي.
ألقى العديد من المحاضرات الأدبيّة في المراكز الثقافيّة السوريّة، وشارك في إحياء الأمسيات الأدبيّة، وكتب كثيراً من المقدّمات النقديّة لعدد من الدواوين الشعريّة والكتب الفكريّة، ورعى المواهب الشابّة.
انتسب إلى (جماعة الإخوان المسلمين) وتمثل مبادئها، وبشّر بفكرها، واكتوى بنار خصومها سجناً واغتراباً، فما زادته المحن إلاّ مضاءً وحكمة.
اعتقل عدّة مرات بسبب أفكاره الحرّة، ونقده الشديد لانتهاك حقوق الإنسان، وكان يكره الظلم والاستبداد، ويشفق على المنافقين ويسخر منهم، وكان يقول الحق ولو على نفسه، جريئاً لا يخشى في الله لومة لائم.
هاجر بقلمه الجريء إلى العراق والأردن بعد الإفراج عنه سنة 1400/1980 وترأس تحرير مجلّة النذير التي أصدرها الإخوان في بغداد، وأقام في عمّان متمتّعا بحب إخوانه وعارفي فضله، زاهداً بما في أيدي الناس من جاه ومال.
دعا إلى تجديد الخطاب الإسلامي وتطوير أساليبه، وكان خطابه النقدي يعبّر عن مصداقيّة القيم التي آمن بها.
كتب بفنيّة عالية وبأسلوب سهل مشوّق القصّة والرواية والمسرحيّة، وبرع بالمقالة الأدبيّة، والدينيّة، والسياسيّة، وتميّز كل ماكتبه بقلمه الجميل على أقرانه من الأدباء المعاصرين بالصدق، والأصالة.
وكان يفخر بكلاسيكيّته العربيّة المسلمة فيقول: أنا كلاسيكي للعظم، فأنا أحرص على الجزالة في مواطن الجزالة، وأبدو شديد الحرص على اللغة الفصيحة، وعلى النحو، واقرأ كتب التراث بعشق ونهم، وعندما أنقد غيري أشتد عليه في اللغة والنحو والصرف..
أما إذا كانت الكلاسيكية تقليداً بلا تجديد ولا تطوير، فأنا لست كلاسيكياً، ولست رومانسياً، أنا عربي، وأسلوبي عربي فصيح، وأقدم أفكاري بوضوح، وأحرص على موسيقى اللفظة وموسيقى الجملة.
وكان يعتبر شخصيّة الشهيد سيّد قطب الملتزمة مصدر إلهامه فيقول: سيّد قطب أستاذي في الأدب، وفي الحياة، وفي التنظيم، وفي الثبات على المبادئ حتى الشهادة، حياته، وأدبه، وفكره، كل ذلك أثر فيّ.. أحب من يحبه وأكره من يكرهه، ولا أبالي..
كتب في القصّة (بقايا رماد) و(السابحون في السماء) ونشر معظم انتاجه الأدبي في المجلاّت الإسلاميّة الملتزمة في سورية ولبنان والأردن والخليج وغيرها.
وكتب الرواية (الوادي الأحمر) و(عينان مطفأتان وقلب بصير) وله في أدب الانتفاضة (عشر روايات للإنتفاضة) ورواية (القسّام) و(حكايا الصالحين).
وأصدر في الدراسات الأدبيّة والنقديّة: (دراسات في أدب باكثير) 1389/1969 و(فلسطين واليهود في مسرح أحمد باكثير) 1418/1997 و(في الدراسة الأدبيّة) بالاشتراك مع محمد الحسناوي و(منهج الإصلاح والتغير عند بديع الزمان النورسي) 1418/1997،
وعكف على مشروعه الكبير للأطفال (مائة كتاب وكتاب الذي يؤرّخ لعدد من مشاهير الإسلاميّين بعنوان (من نجوم الإسلام) في أربعة مجلّدات، وسلسلة (مكتبة النذير للأشبال) وكان اختياره مبني على منهج الربط بين ماضي الأمة المشرق الناهض وبين حاضرها الذي يسير على هدى أولئك الصحابة الكرام، سواء بالهمة والعزيمة، أم بالفكر والرأي، أم بالسيف والقلم، وهو منهج الصحوة الإسلامية، منهج الدعوة والعودة إلى لله.
وكتب في التراجم: (اللواء الركن محمود شيت خطّاب: المجاهد الذي يحمل السيف في كتبه) و(الدكتور الشيخ مصطفى السباعي الداعية الرائد والعالم المجاهد) و(الإمام حسن الهضيبي) و(الأستاذ الشهيد سيّد قطب) و(الإمام أبو الأعلى المودودي) و(العالم المجاهد الشيخ محمد الحامد) و(كواكب الشهداء) ثلاثة أجزاء، و(رجال لهم آثار).
وله مشاركات في كتابة عدد من البرامج التلفزيونية الناجحة، بالاشتراك مع الأديب السوري شريف الراس، والإشراف على بعض مواقع (الانترنت) ذات الانتشار الواسع.
وكتب في النقد الاجتماعي (شهد وعلقم) وفي النقد الأدبي (فصول في النقد التطبيقي) و(أصنام الأدب السوري).
وعني بالطفل العربي عناية فائقة لإيمانه بأن طفل اليوم هو رجل الغد،
وترأس دار يمان للانتاج الفني والأدبي بعمّان، وترأس تحرير مجلّة (الروّاد) التي تهتم بأدب الناشئين، ومجلّة (فراس) الواسعة الانتشار بين الأطفال العرب، ومجلة (سلام) للأطفال ؛ وحرّر في (مجلّة الدعوة) في مرحلة صدورها بلندن باب البيان، وكتب فيها مقالات قيّمة في النقد السياسي، والاجتماعي.
وتحدّث المرحوم محمد محمود الحسناوي عن الجانب التربوي فيما كتبه أستاذنا الطنطاوي ـ أطال الله عمره ـ للأطفال والأشبال فقال: فبالإضافة إلى المتعة الفنية والجمالية، وإلى سرد المعلومات قصاً أو حواراً، هناك الأهداف التربوية الكامنة أو المتحصلة من الأسلوب التعبيري الأنيق، والألفاظ والتراكيب الفصيحة المختارة، أو من قيم التفكير الراقي التي قامت عليها هذه الشخصيات الأعلام، أو عملت على نشرها وتحققها في الحياة، أو من مجالي المشاعر والعواطف السامية التي نبضت بها قلوب هذه الأعلام في ساعات العسر أو اليسر، أو في ساعات الألم أو النصر، والتربية من خلال الأشخاص والوقائع أجدى وأنفع من القواعد والقوانين المجردة من اللحم والعظام والأعصاب والأحداث، وهو ما نطلق عليه أحياناً اسم التاريخ، التاريخ القديم أو التاريخ الحديث.
وهو إلى جانب ذلك كلّه محقّق مصنّف، ومن جيّده (الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر وليد الأعظمي) في مجلد كبير، و(الأعمال النثرية الكاملة للشاعر وليد الأعظمي) في ثمانية مجلدات، وراجع وكتب مقدمات (الإخوان المسلمين في سوريّة مذكرات وذكريات لعدنان سعد الدين) خمسة مجلدات.
وله كتب مخطوطة كثيرة تحت الطبع، تشكّل مع ما نشر له تراث رجل أديب قل نظيره، يعمل بصمت في زمن المتشدّقين والمتنطّعين.
وعندما قامت ثورة الكرامة في البلاد السوريّة دافع عنها بقوّة، ودعا الأدباء والشعراء لكتابة القصّة والرواية التراجيديّة، ونظم الأشعار الثوريّة، وحثّ النقاد على المساهمة الجادّة في الدراسات الأدبيّة المتعلّقة بالثورة، ووصف الثورة بأنّها ربانية مباركة، لا تشبهها ثورة، وخسئ وخاب وخسر من يحسب أن لها شبيهاً و خسئ وخاب وخسر الزنيم الذي يمسها بكلمة.
متّع الله الأستاذ عبد الله الطنطاوي بالصحّة والسعادة، ونفع به الأمّة.

محرر الموقع