الإخوان المسلمون في سورية

أطيار رمضان

الرسالة الثالثة عشرة من رسائل المراقب العام

 
د. محمد حكمت وليد
 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
أطيار رمضان
 
أيها الإخوة الأحباب..
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
 
في ختام شهر رمضان.. وفي نفحات العشر الأخير منه..
 
أكتب إليكم سائلاً المولى عز وجل أن يتقبل صيامكم وقيامكم وصالح أعمالكم.. وأن يكلأكم بحفظه ورعايته..
 
وأحب أن أرسل إليكم هذه الخاطرة الرمضانية على جناح المحبة والأخوّة الصادقة..
 
 
كنتُ البارحة أتلو كتاب الله عز وجل.. وغلائل السّحَر تتموج في الأفق البعيد.. فيمتزج عبقُ الليل بألق الزمان.. وطيب رمضان..
 
((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)) البقرة ١٨٤..
 
سبحانك اللهم.. كم هو بهيٌ رمضان.. وكم هي جميلة بينات الهدى والفرقان..
 
لم يمضِ زمن طويل حتى رأيتُ بعض الأطيار الجميلة ترفّ من حولي..
 
تقترب لأقتنصها بيدي ثم تغيب عني في الأفق البعيد..
 
لها أجنحة ملونة من نور.. كل ريشة من رياشها تُشع ألقاً وجمالاً..
 
وأقبل منها طائر أبيض يقول: أما عرفتني؟!
 
أنا طائر الرحمة والمغفرة والعتق من النار.. كل من صام رمضان وجدني عنده..
 
ثم أخذ هذا الطائر بيدي ورحنا نحلق في الأجواء العليا فوق الغيوم.. وأشعة شروق الشمس الذهبية تطل أحياناً.. فتشتعل قناديل الأرجوان والزعفران..
 
وطُفنا في البلاد.. فوق النجود والوهاد..
 
ومررنا بواحة جميلة عذبة المياه عالية الشجر..
 
قلتُ ما هذه؟
 
قال هي واحة الغفران.. أما أخبركم عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه)..
 
قلتُ بلى والله.. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا إنك أنت الغفور الرحيم..
 
ثم مضينا نجوب الصحاري والقفار.. حتى وصلنا إلى وادٕ ذي زرع.. فيه قوم يتحلقون ويقرؤون القرآن..
 
قلت من هؤلاء؟ قال هؤلاء من قال ربكم فيهم ((ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ))..
 
إنهم قوم يحبهم الله ويحبونه.. ويحفظون لرمضان هيبته وسلطانه ومكانته في قلوبهم وبيوتهم ومجالسهم..
 
قلت وكيف يعظمون شعائر الله؟
 
قال بالتوبة النصوح والإقلاع عن الذنوب والندم على ما فات والعزم على أن لا عَوْدَ إلى معصية الله ورسوله..
 
((وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))..
 
ثم حط بي هذا الطائر العجيب بين القوم.. في مدارسهم ومساجدهم وأسواقهم ومكتباتهم.. فإذا هم يعظمون شعائر الله في بيعهم وشرائهم وفي حلّهم وترحالهم وجميع شؤونهم..
 
ثم قال: أمّا الآن فعلينا أن نسافر في سفينة الزمن إلى الماضي..
 
فقلت كيف ولم يحصل هذا لإنسان من قبل؟ ولا يمكن الرجوع بالزمن إلى الخلف كما يقول اينشتاين؟
 
قال: ولكن أمجاد المسلمين في شهر رمضان تخترق حجب الزمان والمكان.. أوما رأيت راياتهم في بدر الكبرى.. وفي فتح مكة.. ورأيت خيولهم السوابق في فتح الأندلس ومعركة بلاط الشهداء.. وفي معارك عمورية وحطين وعين جالوت..؟
 
ألست تسمع صهيل الصافنات الجياد في ساح الحرب والجلاد..؟
 
ألا تسمع تسبيح الصائمين وتكبير المجاهدين يدوّي عبر سمع الزمان.. كأنما تداول سمع المرء أنملُه العشر..؟
 
قلت بلى والله إنها تدوي فوق كل أرض وتحت كل سماء.. ولكن أنّى لهؤلاء الجنود الصبر على شدة الجوع وشدة الأعداء؟
 
قال كيف لا.. وهم خريجو مدرسة الصبر في رمضان..
 
الصبر على طاعة الله.. والصبر عن معاصي الله.. والصبر على أقدار الله..
 
هل اجتمعت فضائل الصبر هذه في مكان كما اجتمعت في رمضان؟
 
كم أنت حبيب يا رمضان..
 
كيف لا وقد اختصك الله سبحانه وتعالى لنفسه كما ورد في الحديث القدسي (كل عمل ابن ادم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)..
 
هنيئاً لك يا رمضان بالصائمين.. وهنيئاً للصائمين بك..
 
لقد بحثوا عن الحب فوجدوه في رمضان.. وبحثوا عن التكافل فوجدوه في رمضان.. وبحثوا عن الصحة فوجدوها في رمضان.. وبحثوا عن رفعة الجسد والروح فكان لهم رمضان.. وبحثوا عما يكسر شِرة النفوس وشهواتها فوجدوه في رمضان..
 
فيالك من عبادة جمعت بين الروح والجسد، وبين العقل والقلب، في تناغمٕ روحي عجيب، يلبي فطرة الإنسان ويسمو بها إلى أعلى عليين..
 
وعندها رأيتُ الطائر وقد اقترب من أذني وقال: في الختام أريد أن أهمس لك بشيء.. لك وللإسلاميين حولك..
 
قلتُ تفضل.. أحسن الله إليك..
 
قال: تذكروا أن دعوة الإسلام دعوتكم جميعاً.. وكلكم غيور عليها ومسؤول عن وحدة صفها.. وليكن رائدكم في أمور الاجتهاد قبول الاختلاف.. وليكن حسن التعامل مع الآخر -المخالف غير المحارب- جسراً لمساحة مشتركة تخفف العداء وتكف الأذى.. كما أن حسن الظن مطلوب وهو الأصل في التعامل بينكم.. وليكن دعاؤكم:
 
اللهم أعنا على أنفسنا.. وارزقنا الثبات على دينك.. والمحبة لرسولك الكريم..
 
اللهم ألهمنا التدبر في كتابك المسطور.. والتفكر في كتابك المنشور..
 
وأعنا على العمل بالمشتركات حسب الأولويات ونبذ الخلافات..
 
وعلمنا فقه تنزيل الأحكام على واقعنا المعاصر..
 
اللهم يا مفرج الكروب فرج الكرب عن أهل الشام وأدخل الفرح إلى قلوبهم..
 
اللهم إنا نشكو إليك تكالب الأعداء.. وخذلان الأشقاء.. وتكاثر الهموم والأحزان.. ففرج اللهم أحزاننا واجعلنا من الذين آمنوا وصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا يا رب العالمين..
 
آمين آمين.. أجب دعاءنا يا رجاءنا..
 
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..
 
 
د. محمد حكمت وليد
٢٧ رمضان ١٤٤٣ه‍
٢٨ نيسان ٢٠٢٢م

محرر الموقع