الإخوان المسلمون في سورية

الداعية المربّي

بين عمل الداعية وعمل المربي صلة وثيقة. فالداعية يعرض الفكرة ويرغّب بها، والمربي يغرس الفكرة في النفوس ويعمّقها. وقلما يستقلّ أحدهما بالدعوة أو بالتربية.
في الدعوة الجماعية، كالتي يقوم بها خطيب الجمعة، والمُحاضر في جموع كبيرة، يكاد الداعية أن يقتصر على توضيح الأفكار والسلوكات والتحبيب بها، وكشف الأباطيل والمؤامرات التي تصُدّ الناس عن الحق والصواب… ويستخدم أساليب الخطاب المؤثرة، وقد يثير الحماسة في النفوس. لكن الداعية هنا لا يكاد يتابع أحداً ممن استمع إلى خطبته أو محاضراته، فهو يقتصر على وظيفة: “قل كلمتك وامشِ”، وبذلك يكون دوره الدعوي بارزاً، ودوره التربوي محدوداً.
فإذا كان الجمهور الذي يحضر الخطب عند هذا الداعية جمهوراً ثابتاً أو شبه ثابت، أمكن للداعية أن يتابع موضوعاته ويقوّي تأثيراتها في العقول والنفوس، بل أمكنه أن يُنشئ علاقات شخصية بكثير من الأفراد، وبذلك يكون قد أدّى دوراً تربوياً أكثر.
أما في الدعوة الفردية فإن الداعية يكون، أو يجب أن يكون، مربّياً يعمل على غرس القيم والاتجاهات في نفس المدعو، ويزوده بالفكر الصحيح والمعارف القويمة، وينمي فيه السلوكات السليمة.
وظيفة الداعية المربي من أعظم الأمور التي يقوم بها من وفّقه الله إلى ذلك. فهو من الفئة التي قال الله تعالى عنها: ((ومَن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال: إنني من المسلمين)). {سورة فصّلت: 33}. كما أنه يقتدي بالنبي صلّى الله عليه وسلّم الذي أرسله الله ((داعياً إلى الله بإذنه وسراجاً مُنيراً)). {سورة الأحزاب: 46}، والذي قال عن نفسه: “إنّما بُعثتُ معلّماً”. رواه ابن ماجه.
والأمر يستحق أن يلقى اهتماماً بالغاً حتى يكون الداعية المربي أكثر نجاحاً في مهمّته. وإذا ذكرنا أسباب النجاح فلا نقصد أنها يجب أن تتوافر جميعاً في شخصية هذا الداعية، إنما يعمل على تحقيق ما أمكنه منها، ويسعى جاهداً للاستزادة منها.
– وأول ذلك وأهمّه الإخلاص لله تعالى، فهو يبتغي تقريب الناس إلى ربّهم، وتعليمهم دينهم، وتقويم فكرهم وسلوكهم، وزيادة قدراتهم… ليكونوا أكثر مرضاة لله. ولا يقصد التعالي عليهم واكتساب الأتباع والتلاميذ والشهرة…
– وثاني أسباب النجاح هو أن يكون ملتزماً بما يدعو إليه، فهو يدعو بسلوكه وبحاله مثل ما يدعو بلسانه، بل أكثر. وقد عاب القرآن الكريم على الذين يقولون ما لا يفعلون، وعلى الذين يأمرون الناس بالبرّ وينسون أنفسهم.
وعندما نقرأ قصص الذين هداهم الله إلى الإسلام بعد أن عاشوا فترة من عمرهم كفاراً، نجد أن سبب إيمان كثير منهم هو ما رأوه من جميل سلوك بعض الدعاة.
– وثالث أسباب النجاح: التحلّي بمحاسن الأخلاق كالكرم واللطف والتواضع والشجاعة… وقد قال الله تعالى لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: ((ولو كنتَ فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك)). {سورة آل عمران: 159}.
– ورابعها: أن يملك زاداً حسناً من العلوم الإسلامية والفكر الإسلامي حتى يكون سلوكه وأحكامه منسجمة مع شرع الله تعالى، وحتى يميز بين السنّة والبدعة، وبين الاعتدال والتطرّف بالمعيار الإسلامي وليس بالمعيار الأمريكي.
– وخامسها: أن يكون عالماً بالواقع الذي نعيشه، ويغرس في نفوس تلامذته ومدعوّيه أنه لا بد من تغيير هذا الواقع نحو الأقوم والأصلح، وأن ذلك مهما بدا صعباً فإن الله يُعِين على تغييره إذا صدق الدعاةُ وكانوا على درجة من الوعي واستعداد للتضحية، وأن هذه هي رسالة المسلم: هداية البشرية إلى الإسلام، ونشر هذا الدين وصياغة الحياة وفْقَه.
– وسادسها: أن يربط القلوب والنفوس والألباب باللّه تعالى، فهو سبحانه الخالق والرازق والمُنعم والقادر والحكيم… فكل ما شرعه الله هو حق وصواب، عرفنا حكمته أو لم نعرف. ولا أحد يستحق أن نحبه الحب المطلق، وأن نخشاه الخشية المطلقة، وأن نطيعه الطاعة المطلقة ونتبع أوامره… إلا الله سبحانه. وكل ما خالف شرع الله فهو باطل. والمسلم بعد ذلك قد يخطئ وقد يعصي، لكنه يعود إلى الله تائباً مُنيباً مستغفراً. ومهما ارتكب من المعاصي فإنه يعلم أن له ربّاً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، وأنه سبحانه حليم ودود غافر الذنب شديد العقاب… فيبقى قلب المؤمن معلّقاً باللّه حبّاً وخشيةً وخضوعاً.
ويكفي الداعية بعدئذ أن يلحظ أنه عبد لله يدعو إلى الله على بصيرة.

محمد عادل فارس