الإخوان المسلمون في سورية

العالم الداعية سعيد حوَّى

(1354 – 1410هـ / 1935 – 1989م)

موقع إخوان سورية

مولده ونشأته:

هو الشيخ سعيد بن محمد ديب حوَّى، ولد في مدينة حماة بسورية سنة 1935م، توفيت والدته وعمره سنتان، فتربى في كنف جدته، برعاية والده الذي كان من المجاهدين الشجعان ضد الفرنسيين، عاصر في شبابه أفكار الاشتراكيين والقوميين والبعثيين والإخوان المسلمين، واختار الله له الخير بالانضمام إلى الإخوان المسلمين سنة 1952م، وهو في الصف الأول الثانوي.
وقد درس على يد عدد من المشايخ في سورية، في مقدمتهم: شيخ حماة وعالمها الشيخ محمد الحامد، والشيخ محمد الهاشمي، والشيخ عبد الوهاب دبس وزيت، والشيخ عبد الكريم الرفاعي، والشيخ أحمد المراد، والشيخ محمد علي المراد، كما درس على يد الأساتذة: مصطفى السباعي، ومصطفى الزرقاء، وفوزي فيض الله، وغيرهم. وقد تخرج في الجامعة السورية سنة 1961م، وأدَّى الخدمة العسكرية الإلزامية سنة 1963م ضابطًا مجندًا، وتزوج سنة 1964م، ورزقه الله أربعة أولاد.

نشاطه الدعوي:

حاضر وخطب ودرّس في سورية والسعودية والكويت والإمارات والعراق والأردن ومصر وقطر والباكستان وأمريكا وألمانيا، كما شارك في أحداث الدستور في سورية سنة 1973م مشاركة رئيسة، حيث سجن لمدة خمس سنوات من (1973/3/5م – 1978/1/29م)، وقد ألّف وهو في السجن عددًا من الكتب الدعوية.
تولى مناصب قيادية في تنظيم الإخوان المسلمين على المستوى القطري والعالمي، وشارك في عدة أعمال دعوية وسياسية وجهادية.

شهادة بحقه:

يقول عنه الأستاذ زهير الشاويش في جريدة اللواء الأردنية بتاريخ 1989/3/15م: “قدر الله ولا راد لقضائه، وانقضت حياة سعيد بن محمد ديب حوَّى في المستشفى الإسلامي بعمّان ضحى الخميس غرة شعبان المعظم 1409هـ، الموافق 1989/3/9م، وصُلِّي عليه بعد الجمعة في مسجد الفيحاء بالشميساني، ودفن في مقبرة سحاب جنوبي عمّان، وحضر الجنازة جموع غفيرة، وأبّنه كثيرون منهم الأستاذ يوسف العظم، والشيخ علي الفقير، والشاعر أبو الحسن، والشيخ عبد الجليل رزق، والأستاذ فاروق المشوح، والأديب الأستاذ عبد الله الطنطاوي، وكان تعاطف أهل الأردن الكرام مع أخ غريب مات في بلدهم، مثل كرمهم مع الأحياء المقيمين عندهم؛ كرم في اليد وطيب في الكلام، وعفوية في المبادرة.
إن سعيد حوَّى كان من أنجح الدعاة الذين عرفتهم، أو قرأت عنهم، حيث استطاع إيصال ما عنده من رأي ومعرفة، إلى العدد الكبير من الناس، وقد مات وعمره لم يتجاوز الثالثة والخمسين وهو عمر قصير، وترك من المؤلفات العدد الكبير، مما يلحقه بالمكثرين من المؤلفين في عصرنا الحاضر.. والاختلاف في تقييم كتبه، لا يغير من هذه الحقيقة شيئًا، وكانت لي معه جولات في كتبه وما حوت، ومع أن بعض رأيي كان ذابحاً ولفظي كان جارحاً، فإنه تلقاه دائماً برحابة صدر لم أجدها عند صحبي.

مؤلفاته وآثاره:

كانت له دروس وأحاديث ومحاضرات في جمعية الإصلاح الاجتماعي بالكويت، ومدرسة النجاة الخاصة فيها، لقيت القبول من شباب الصحوة الإسلامية.
كما كان لمؤلفاته الدعوية والحركية رواجها لدى الشباب المسلم في البلاد العربية والإسلامية، وبخاصة في اليمن وبلدان الخليج وبلاد الشام، وقد ترجم بعضها إلى لغات أخرى.
ومن أهم مؤلفاته المطبوعة:
• الله جل جلاله.
• الرسول (صلى الله عليه وسلم).
• الإسلام.
• الأساس في التفسير.
• الأساس في السُّنَّة وفقهها: السيرة – العقائد – العبادات.
• تربيتنا الروحية.
• المستخلص في تزكية الأنفس.
• مذكرات في منازل الصديقين والربانيين.
• جند الله ثقافة وأخلاقًا.
• من أجل خطوة إلى الأمام على طريق الجهاد المبارك.
• الأساس في قواعد المعرفة وضوابط الفهم للنصوص.
• بطلا الحروب الصليبية في المشرق والمغرب: يوسف بن تاشفين و صلاح الدين الأيوبي.
• كي لا نمضي بعيدًا عن احتياجات العصر.
• المدخل إلى دعوة الإخوان المسلمين.
• جولات في الفقهين الكبير والأكبر وأصولهما.
• في آفاق التعاليم.
• دروس في العمل الإسلامي المعاصر.
• فصول في الإمرة والأمير.
• رسالة: منطلقات إسلامية لحضارة عالمية جديدة.
• فلنتذكر في عصرنا ثلاثًا: فروض العين، فروض الكفاية، لمن تدفع صدقتك.
• عقد القرن الخامس عشر الهجري.
• إحياء الربانية.
• إجازة تخصص الدعاة.
• غذاء العبودية.
• أخلاقيات وسلوكيات تتأكد في القرن الخامس عشر الهجري.
• قوانين البيت المسلم.
• السيرة بلغة الحب.
• الإجابات.
• هذه تجربتي وهذه شهادتي.
• جند الله تخطيطًا وتنظيمًا. إلخ.

مذكراته

لقد كان الشيخ سعيد حوَّى قارئاً جيداً، حيث قال عن نفسه في كتابه (هذه تجربتي): “…كان معدل قراءتي في الساعة ستين صفحة، وكان موجهي في الأُسرة الإخوانية هو الأستاذ مصطفى الصيرفي، وتأكدت تلمذتي على يد الشيخ محمد الحامد في هذه المرحلة، ثم أصبحت مسؤولاً عن الطلاب في مدينة حماة، وكان لي دور رئيسي في ثلاث مظاهرات طلابية:
الأولى: حين طالب الإخوان المسلمون في سورية بإدخال نظام الفتوة في المدارس الثانوية.
والثانية: احتجاجاً على إعدام الإخوان المسلمين في مصر.
والثالثة: في الذكرى المشؤومة لوعد بلفور، وكنت المتحدث الرسمي في هذه المظاهرات عن الإخوان المسلمين.
وقد التحقت بكلية الشريعة بدمشق، وحضرت خلال ذلك محاضرة الدكتور مصطفى السباعي -المراقب العام للإخوان المسلمين بسورية- في مدرج جامعة دمشق، فكانت محاضرة رائعة شعرت أثناءها وكأني منوَّم مغناطيسياً.
كما حضرت حفل الاستقبال الذي أُقيم للأستاذ حسن الهضيبي -المرشد الثاني للإخوان المسلمين- في جامع السلطان بمدينة حماة، وتكلم فيه الدكتور مصطفى السباعي، والدكتور سعيد رمضان، وخُتم الحفل بكلمة قصيرة للأستاذ الهضيبي” انتهى.
ولقد كان للشيـخ سعيد حوَّى إسهامه في الحقل التعليمي، حيـث مـارس التدريس داخل سورية وخـارجها، وعمـل في السعودية خـمس سنوات: سنتين في مدينة (الهفوف) بمنطقة الأحساء، وثلاث سنـوات بالمدينة المنورة.

زياراتـه ورحلاته

كما كانت له زيارات متعددة إلى كثير من البلاد العربية والإسلامية والأوروبية والأمريكية، وقد زار باكستان أكثر من مرة، حيث قابل الإمام أبا الأعلى المودودي في الزيارة الأولى، واستفاد من توجيهاته وإرشاداته في مجال الدعوة الإسلامية والعمل الجماعي.
وفي الزيارة الثانية لباكستان حضر تشييع جنازة المودودي، حيث كنت والعلاّمة القرضاوي وسيف الإسلام البنا، وعبد العزيز المطوع وغيرهم، واجتمع بقادة الجماعة الإسلامية بباكستان، ثم ذهب إلى لاهور حيث التقى قادة المجاهدين الأفغان وحثّهم على التعاون، والعمل المشترك، ونكران الذات، وإخلاص النية لله تعالى، وجعل الجهاد خالصاً لوجه الله وفي سبيله، وألا يكون للنفس فيه حظ.

ثناؤه على الإخوان

لقد كان الشيخ سعيد حوَّى يرى في ثبات الإخوان المسلمين بمصر، هذه السنين الطويلة رهن السجون والمعتقلات وسط الزنازين وتحت سياط الجلادين، دون أن يتنازلوا قيد شعرة عن مبادئهم رغم طول السنين وقساوة التعذيب ومرارة الحرمان، يرى أنهم القدوة للدعاة في هذا العصر وللإخوان في العالم.

مرضه ووفاته

وفي سنة 1987 م، أُصيب الشيخ سعيد حوَّى بشلل جزئي إضافة لأمراضه الأخرى الكثيرة: السكر.. الضغط.. تصلب الشرايين.. الكلى.. مرض العيون.. فلجأ للعزلة الاضطرارية، وانقطع عن الناس، ثم أُدخل المستشفى.
وفي يوم 1988/12/14م، دخل في غيبوبة لم يصحُ منها، حتى توفاه الله ظهر يوم الخميس 1989/3/9م في المستشفى الإسلامي بعمّان في الأردن.
رحم الله أخانا سعيد حوَّى، فكم صبر على الأمراض الكثيرة وعلى البلاء في السجون وعلى الألسنة الطويلة التي امتدت إليه بالإساءة، جعل الله ذلك كله في ميزان حسناته، وغفر الله لنا وله، وحشرنا وإياه مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.

رثـاؤه

وقد رثاه الشاعر الإسلامي الكبير وليد الأعظمي بقصيدة عنوانها (سكت الهزار) جاء فيها:
سكت الهزار الصادح الغرّيدُ
فاستوحش الوادي وغاب العيدُ
يا راحلاً عنا وفي أعماقنا
شوق إليكم ما عليه مزيدُ
فارقتنا وتركت فينا لوعةً
في القلب يلذع جمرها الموقودُ
دين لكم في عنق كل مجاهدٍ
يجب الوفاء بذاك والتسديدُ
ذكراكَ في قلبي وذكرك في فمي
أشدو به بين الورى وأشيدُ
بالأمس كان لقاؤنا في طيبةٍ
طاب الحديث بها وطاب نشيدُ
بجوار خير المرسلين سمت بنا
سبحاتُ فكرٍ زانها التوحيدُ
والروضة الزهراء في جنباتها
يتناغم التسبيح والتحميدُ
وصلاتنا فيها عروج للسما
يسمو ركوعٌ عندها وسجودُ
وتحلقت للعلم في أفيائها
حلقات هَدْيٍ نفعها مقصودُ
وأبو محمد (السعيد) كأنَّهُ
قمر تألق نوره المشهودُ
يحيي القلوب بوعظه وبيانِهِ
لكأنما هو لؤلؤ منضودُ
فيه من الذكر الحكيم لآلئٌ
ومن الحديث أزاهرٌ وورودُ
والناس يستافون شهد بيانِهِ
منهم قيام حوله وقعودُ
يا رافعًا للحق راية نصرِهِ
والحق تحرسه ظُبـًا وبنودُ
أفنيت عمرك بالجهاد مصابرًا
لله فيما تبتغي وتريدُ
لك في الجهاد عزيمة مشبوبةٌ
لا تعتريها فترة وخمودُ
كالليث في وَثْباته وَثَبَاتِهِ
شهدت بذاك خنادقٌ وجنودُ
والشام تذكر إذ نهضت مكبرًا
تحدو بها نحو العُلا وتقودُ
و(المسجد الأموي) يشهد أنك الـ
بطل الهمام القائد الصنديدُ
و(حماة) لا تنسى نداك محذرًا
مما تخبئه الليالي السودُ
وتردّ كيد المعتدين بنحرهم
وتذُبُّ عن أحسابها وتذودُ
أبناؤها الصِّيدُ الكرام تحملوا
فوق الذي حمل الكرام الصيدُ
فنساؤها اللبؤات في ساح الوغى
ورجالها عند اللقاء أسودُ
عانَوْا من الأهوال كل فظيعةٍ
منها تكاد الراسياتُ تميدُ
في كل ناحية جريح يلتوي
وشهيدة مبرورة وشهيدُ
وإذا تخطى القتل بعض رجالهم
فالسجن والتعذيب والتشريدُ
في (القدس) قد عاث اليهود وفي (حما)
عاثتْ (قرامطة) بها و(يهودُ)
جاءوا بكل كبيرة وكريهةٍ
لم يأت أمسِ بمثلها (نمرودُ)
عادت بها (عاد) وعادت (تُبّع)
و(الرسُّ) و(الأحقافُ) و(الأخدودُ)
هدموا بيوت الله حقدًا منهمُ
هيهات يُفلح آثمٌ وحقودُ
تبكي محاريب الهدى إذ حلَّها
بعد الهداة الصالحين قرودُ
شاقتك جنات الخلود ورفقة الـ
هادي البشير وحوضهُ المورودُ
ببشائر الرضوان من ربِّ السما
والذكر للرحمن والتمجيدُ
كسب الفتى من سعيه بحياتِهِ
طيب الثناء وذكرُه المحمودُ
أنت السعيد بكل ما قدمتَهُ
تلقى الرسول بهِ وأنتَ (سعيدُ)

المصدر: كتاب “علماء أعلام عرفتهم- من أعلام الدعوة الإسلامية في سورية ولبنان”، للمستشار “عبدالله العقيل”

محرر الموقع