رؤية جماعة الإخوان المسلمين في سورية
17 / 05 / 2005
لقد عاش الشعب السوريّ منذ نشأته موحّداً، بكلّ مكوّناته العرقية والدينية والمذهبية.. ووقف بكلّ فئاته ضدّ محاولات التفرقة، وفي مواجهة الاحتلال والاستعمار. ولقد سجّل التاريخ للإخوة الأكراد أروع البطولات في الدفاع عن الأرض والمقدّسات، وأصبح البطل العظيم صلاح الدين، ملكاً لتاريخ الأمة كلها..
إلاّ أنّ الأوضاع الشاذّة القائمة في سورية منذ أكثر من أربعة عقود، والسياسات العنصرية الإقصائية التي استأثرت بالوطن.. أفرزت حزمةً من المشكلات الوطنية، وعمل الظلم في دائرتيه العامة والخاصة على تفتيت وحدة المجتمع، وإيجاد أزماتٍ بينيّة بين مكوّناته؛ إنسانيةٍ وحضاريةٍ وسياسيةٍ وطائفيةٍ وعرقيةٍ وتنموية..
ولقد أصاب الأشقّاءَ الأكرادَ في السياق الوطنيّ العام، ما أصابَ إخوانَهم من أبناء الشعب السوري، من إقصاءٍ وقهرٍ وظلمٍ وتهميش.. في ظلّ قانون الطوارئ والأحكام العرفية، وسياسات القهر والتسلّط والاستبداد، كما كان لهم -بحكم خصوصية انتمائهم العرقي- نصيبُهم من الظلم الذي طال وجودَهم وانتماءَهم، وأشعَرَهم بالغربة في وطنهم، وبين أهليهم، وألقى في نفوسهم الشكّ والريبة تجاه شركائهم في العقيدة والوطن والتاريخ..
وبين الفعل الظالم، وردود الفعل هنا وهناك.. تتقدّم جماعة الإخوان المسلمين في سورية، برؤيتها للقضية الكردية، من منظورٍ وطنيّ يتجاوز (ضيق اللحظة) بما فيه من ألمٍ واحتقان، إلى (رحابة المستقبل) وما نتطلّع إليه من عدلٍ وحرّيةٍ وأمان.. وفي هذا السياق تنوّه جماعة الإخوان المسلمين في سورية، أنّ من بين أبنائها الكثيَر من إخوتنا الأكراد، يشغلون مواقعهم في صفوف الجماعة، من قاعدة الهرم التنظيميّ إلى قمّته، في حالةٍ من التآلف يُرتَجى لها أن تكونَ الأنموذجَ للعلاقة الوطنيّة في الغد المأمول.
وإنّ جماعة الإخوان المسلمين في سورية، انطلاقاً من مبدأ (المواطنة) الذي يجمع كلّ أبناء الشعب السوريّ تحت خيمةٍ واحدة، تساوي بينهم في الحقوق والواجبات، وفي فرص المشاركة في بناء مؤسّسات الوطن المختلفة، والدفاع عنه، وتقرير شئونه.. وفق ما ورد في الميثاق الوطنيّ، ومشروعها السياسي لسورية المستقبل، لتؤكّد على ما يلي:
– المواطنون الأكراد مكوّنٌ أصيلٌ من مكوّنات الشعب السوريّ، يعيشون على أرضهم التاريخية، تضربُ جذورُهم في أعماق الأرض والتاريخ والحضارة، نشأوا على أرض هذا الوطن، وانتمَوْا إليها، وأخلصوا لها، ودافعوا عنها، وامتزجوا بإنسانها وترابها، وشاركوا في صنع حضارتها وأمجادها.. فكيف يكون غريباً عن أرض الشام من قاد ملحمة تحريرها من الغزاة الصليبيين، وصنع للأمة مفخرةَ عزّها في حطين، وطهّر الأقصى من رجس المعتدين؟.
– كان الأكراد على مرّ التاريخ عنصراً إيجابياً فاعلاً، يعزّزُ اللحمةَ الوطنية، وينبذُ الفرقة، ولم يُعرَفْ عنهم في تاريخهم الطويل أنّهم كانوا جسراً للغزاة، أو معبراً لإراداتٍ خارجية، بل كانوا دائماً المؤْثِرين على أنفسهم ولو كان بهم خَصاصة..
– إنّ انتماء الأكراد للأمة الإسلامية، يعزّز انتماءهم الوطنيّ، فلقد صهرهم الإسلام الذي تدين به الغالبية العظمى من الشعب الكردي، في الكيان الجمْعي للأمة، فاندمجوا فيها، وتحمّلوا العبءَ في الأوقات الصعبة، فقادوا وأبدعوا. وستظلّ هذه الوشيجة الجامعة، الأساسَ الذي يربط الأكرادَ بأمّتهم وبشعوبها. مؤكّدين أنّ هذا الاندماجَ والارتباطَ لا ينبغي أن يكونَ مدخلاً للبغي، أو ذريعةً للتجاوز على الحقوق.
– في دولة (المواطنة) القائمة على التعاقدية والتعددية والمؤسساتية والتداولية.. التي تعتبرها جماعتُنا هدفَها للغد الوطنيّ المأمول، يحتفظ المواطنُ الكرديّ كغيره من أبناء الوطن، بسهمه الوطنيّ الوافر في المشاركة في القرار والسلطة والثروة الوطنية. وإنّ الحوارَ البنّاء، والتعايشَ الأخويّ بين كلّ مكوّنات المجتمع السوريّ، هو المدخلُ السديدُ إلى الوحدة الوطنية، وبناء سورية المستقبل.
– تدعو جماعتنا إلى فتح قنوات الحوار مع الأشقاء المواطنين الأكراد، من خلال كلّ القوى الممثلة لهم، على الصعيدين الرسميّ والشعبيّ، وتأخذ زمام المبادرة بهذا البيان، لإطلاق آفاق هذا الحوار وتعميقه.
– تدين جماعتنا كلّ السياسات العنصرية التي مورست وتمارس ضدّ الإخوة الأكراد، تحت أيّ مسمّى، وتعتبرُ ردودَ الفعل المختلفة التي قامت في وجهها، إنما تندرجُ في إطار الحراك الوطنيّ العام، ضدّ الظلم والتسلّط والاستبداد، وتطالبُ برفع الظلم الذي لحقَ بالمواطنين الأكراد، وتؤكّدُ تضامنَها معهم في المطالبة بحقوقهم المشروعة التالية:
1- التوقف فوراً عن ممارسة سياسات التمييز العنصرية بحق المواطنين الأكراد، وإبطال كافة الإجراءات التمييزية الناشئة عنها.
2- إنهاء معاناة مئات الآلاف من المواطنين الأكراد الذين حُرِموا من حقّ الجنسية، أو جُرّدوا منها، وذلك بإعادة هذا الحق إليهم، ومعالجة الآثار الناجمة عن حرمانهم منه.
3- الاعتراف بالخصوصية الكردية والحقوق الثقافية للإخوة المواطنين الأكراد، بكلّ أبعادها الحضارية، والثقافية، والاجتماعية.. في إطار وحدة الوطن وتماسكه، وبحقّ التعبير عن هذه الخصوصية، لإبراز ملامحها ومآثرها التي هي مآثرُ للأمة والوطن أجمع.
4- التعويض على المتضرّرين من السياسات والإجراءات العنصرية على كافة الأصعدة، وبالطريقة التي تعيد للمواطن الكردي ثقته بذاته وبمكانته في وطنه، وبشركائه في هذا الوطن.
5- إطلاق سراح جميع المعتقلين والموقوفين على خلفية أحداث الثاني عشر من آذار (مارس) 2004 وتداعياتها، أو أيّ خلفيات فكرية أو سياسية.. وإلغاء الأحكام الجائرة الصادرة بحقهم.
إنّ جماعة الإخوان المسلمين في سورية، ومن متابعتها للمشهد الكرديّ على الساحة الوطنية بكلّ أبعاده، تنبّهُ إلى ضرورة التمييز بين النظام السوريّ وسياساته وممارساته من جهة، وبين المجتمع السوريّ من جهةٍ أخرى، وكذلك بين العرب كحاملٍ موضوعيّ لرسالة الإسلام وشركاء في الوطن من جهة، وبين النزعة العنصرية التي مورست وما تزال تمارَسُ باسم العرب والعروبة من جهةٍ أخرى، وتدعو إلى صياغة موقفٍ كرديّ متوازن، يكون وفياً لانتماء الأكراد بكلّ أبعاده الوطنية والقومية والدينية، معبّراً عن ضمير الشعب الكرديّ، باعتباره مكوّناً أصيلاً من مكوّنات الوطن والأمة.