الإباء ورفض الظلم:
لقد أوهنت قرون الاستبداد المتطاولة، روح الإباء في مجتمعاتنا، وطوعتها لإرادة الظالمين، وغاب عن الأمة قول مولاها في كتابه العزيز ((والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون)) ولعل من روائع الحكمة في هذه الآية أن سابقتها تتحدث عن الشورى على أنها أساس للعلاقة بين المؤمنين، وكأنها تقرر أن من معاني البغي المقصود في هذه الآية، هو “بغي” استبداد المستبدين: ((والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة، وأمرهم شورى بينهم، ومما رزقناهم ينفقون. والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون. وجزاء سيئة سيئة مثلها))
إن حالة الوهن التي أصابت الأمة ومجتمعاتها، فحاصرتها في حالة من الغثائية أطمعت فيها عدوها الخارجي حتى تداعى عليها، فاستبيحت بيضتها، وانتقصت أرضها، وانتهكت مقدساتها. وأطمع فيها المستبدين من بني الجلدة واللسان، حتى ليقول قائلهم ما قاله فرعون قديما: ((ما أريكم إلا ما أرى)).
إن مشروعاً حضارياً متكاملاً، لابد أن يكرس في أولياته بناء شعور الأَنَفة في نفوس أبناء المجتمع، الشعور الذي يتصدى للظلم، ويرفضه ويأباه، ويمتلك الجرأة الأدبية والمعنوية ليقوم مقام المناصحة الإيجابية، والمباداة الحضارية، ولو ذهبت حياته فداء ذلك، وبذلك يجاور مقام سيد الشهداء (ورجل قام إلى إمام جائر، فأمره ونهاه فقتله).
المصدر: المشروع السياسي لسورية المستقبل- رؤية جماعة الإخوان المسلمين في سورية | الجزء الأول: المنطلقات الفكرية والنظرية للمشروع | الباب الخامس: الإنسان | الفصل الثاني: المجتمع | أبعاد أساسية في الإصلاح الاجتماعي | رابعاً: الإباء ورفض الظلم