الإخوان المسلمون في سورية

المشرّدون السوريون.. كيف؟ وماذا؟

 

كان من نتاج الجريمة الفظيعة، التي يرتكبها نظام القتل والدمار والتخريب والعدوان، ومن سانده وحالفه من قوى الشر الذين أصبحوا محتلين لسورية، وكذا من أيّده ووقف إلى جانبه من أحلاس الرذيلة، بهذه المأساة المنكرة، بحق أبناء الشعب السوري.. أن شرد ملايين من أبناء هذا الشعب السوري الصابر المحتسب، يسمون أحياناً لاجئين، وبعضهم يسميهم مهاجرين، وآخرون يسمونهم نازحين.

 

لا أريد هنا أن أدخل في تفاصيل هذه المصطلحات وانطباقها على السوريين؛ لأني أريد أن أرسل رسائل، تهدف إلى توجيه المسار في طريقه الصحيح، خدمة لهذا الصنف من أبناء الشعب السوري، في محنته الكبيرة، ومصابه الجلل، وكارثته التي ليس لها مثيل، ولست في هذه المحاولة أبحث عن هياكل قانونية للتوصيف التصديقي، للوقوع من عدمه، فهذا له أهله والمختصون به.

 

ولكن المؤكد أن ملايين من البشر تركوا بلدانهم وقراهم ومناطقهم -نتيجة الجريمة التي ترتكب بحق شعب سورية- ورحلوا إلى أماكن أخرى في الداخل السوري، وفي دول الجوار، وغيرها من البلدان، مثل تركيا ولبنان والأردن ومصر والعراق، وغيرها من البلاد، وكذا في أوروبا، في بلدان متفرقة هنا وهناك.

 

* أوضاع المشردين

 

وهؤلاء اللاجئون يعيشون أوضاعاً صعبة، في داخل سورية، وخارجها، تقتضي الالتفات إليهم، والتعاون من أجل الوصول إلى تلبية حاجاتهم، رغم الشكر الكبير لكل من ناصر وساند وآوى، ويسّر وهوّن ورحّب، وفتح صدره قبل يده وبيته، وفي المقدمة منهم تركيا.

 

ومما لا بد من ذكره، ولفت الأنظار إليه، أن النازحين داخل سورية يعانون معاناة كبرى، وأوضاعهم تدمي القلب، وتجرح الفؤاد، وتحزن صاحب الضمير.

 

والعناية بهؤلاء واجب شرعي -كما ذكر ذلك العلماء الأثبات- وضرورة إنسانية، وحاجة بشرية، ولا يجوز إهمالهم تحت أي عنوان، ومهما كانت الذرائع والمعاذير.

 

* ومن مفردات ما يجب أن نقوم به تجاههم ما يأتي:

 

1- أن نؤويهم وننصرهم ونساندهم، فنكون ممن آووا ونصروا، فإذا قمنا بذلك، فلنا الأجر العظيم من الله رب العالمين، وهذا الأمر له أدواته ووسائله، وهناك مؤسسات وجمعيات تقوم بمثل هذا الأمر، ولكن تحتاج إلى من يدعمها، ويساندها، بمشروع الرغيف والبطانية، أو الخيام، أو المباني المؤقتة، أو آبار المياه، أو السلال الغذائية، أو غير ذلك مما يدخل في هذا الباب، وتكون الحاجة أعظم، في فصل الشتاء، حيث البرد القارس، والثلج الذي يغطي أحياناً قامة طفل ارتفاعاً، أما العواصف وأفعالها وآثارها، فحدّث ولا حرج.

 

2- أن نهيئ لهم أسباب العيش، في كل ما يلزمهم؛ “ومن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته”، ومنها على سبيل المثال المأوى والطعام والكسوة.

 

3- الدواء للمريض أكثر أهمية من الطعام والشراب، فعلينا أن نهتم بهم طبياً، فنعالج مصابهم، ونقوم على شأن مريضهم، ولا ننس الجرحى، وما يحتاجون، ففي مصابهم، وما جرى لهم، ما يقطع نياط القلوب، وكم منهم من فقد طرفاً من أطرافه، أو ربما أكثر من طرف، كم منهم من أصبح معاقاً بسبب من أسباب الإعاقة، فتكون غاية مُنى أمثال هؤلاء كرسياً يتحرك عليه، أو طرفاً صناعياً يعينه على نائبته التي هو فيها.

 

4- والحياة ليست طعاماً وشراباً ونوماً فحسب، بل هناك ما هو أهم من هذا، ألا هو بناء الإنسان، بكل المفردات المطلوبة في هذا الشأن، ومنها العناية بتعليمهم، وإقامة الدورات التي تعمل على تنميتهم بشرياً، وفي المجالات كافة، وهنا نندب المؤسسات التي تعنى بالتنمية البشرية، أن تقوم بما يلزم لردم هذه الهوة وسد الخلل.

 

5- كما أن التربية والدعوة يحتاجها المشردون، حاجة كبيرة، يحتاجون إلى العلماء والدعاة بينهم، وهذا يحتاج إلى مشروع، فالمعاهد الشرعية، والمحاضن العلمية التربوية، ركائز في هذا الميدان، ومن أدوات ذلك كذلك تأسيس مدارس لتعليم القرآن الكريم وتحفيظه للأجيال، وهذا يحتاج كذلك إلى مشروع، فأين من يشمر عن ساعد الجد، ويلج هذا الباب الخير، الذي يعتبر من أهم القربات إلى الله، وخير ما تنفق الأموال بشأنه “خيركم من تعلم القرآن وعلمه”.

 

6- ولا يفوتنا أن نذكر بأهمية تعليمهم من خلال إنشاء المدارس التي تقوم بهذا الواجب المهم، أو استيعابهم في المدراس المتاحة في البلد الذي هم فيه إذا كانوا خارج سورية، وفي الداخل السوري للقصة حكاية كبيرة ومهمة، تحتاج من يسندها، حتى تقف على أقدامها؛ فإن انقطاع أجيال من الناس عن التعليم يعتبر مشكلة كبيرة من المشكلات التي تواجه التجمعات البشرية، وهذا أيضاً له مختصوه، والعاملون له، ويبحثون عمن يمد يد العون للقيام بهذه المهمة النبيلة.

 

ونحث الجامعات التي تعطيهم المنح الدراسية، كي تمضي قافلة الحياة بلا توقف.

 

* نداء من القلب

 

يا من يعيشون حياتهم الهنية الرخية الرضية –نسأل الله لكم جميعاً العافية والسلامة– تذكروا إخوانكم تحت القصف الهمجي، والبراميل العمياء المدمرة، تذكروهم عندما تأكلون وتشربون وتنامون، لا تنسوهم وأنتم بين أبنائكم تسعدون، زوروا إخوانكم اللاجئين، فالزيارة لها أهمية بالغة، واسوهم في مصابهم، كفكفوا دمعة مكسور، وامسحوا على رأس يتيم، وواسوهم بهدية، وتبرعوا لمشروع، يخفف عنهم، ويساعدهم حتى يقفوا على أقدامهم، ويكتب الله لهم الفرج والنصر على القوم المجرمين، وإنه لقريب بإذن الله تعالى.

 

ولا يفوتنا أن نقول لكل من قدم شيئاً لشعب سورية، ولو كسرة خبز، أو شق تمرة، أو شطر كلمة: جزاكم الله خيراً، وبارك الله فيكم، وفي أموالكم، وفي الحديث الصحيح: “ومن لا يشكر الناس، لا يشكر الله”؛ (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ‏) (المائدة: 2).

 

وفي الحديث الصحيح: عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى».

 

وفي الحديث الصحيح: عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يُسلِمُهُ، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة، فرَّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً سَتَره الله يوم القيامة».

 

وفي الحديث الصحيح: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من نفَّس عن مسلم كربةً من كُرَب الدنيا نَفَّسَ الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه».

 

– وفي الحديث الصحيح: عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين وأشار بإصبعيه (يعني السبابة والوسطى)».

 

– وفي الحديث الصحيح: عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يَرحَم الله من لا يَرحمُ النَّاس».

 

– وفي الحديث الصحيح: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبُنيان يشد بعضه بعضاً ثم شبك بين أصابعه»، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن، يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه».

 

* واجبات السوريين:

 

1- على كل السوريين أن يقوموا بواجب الشكر، لمن آوى ونصر، هذا الشعب السوري المظلوم؛ «ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله».

 

2- وبالمقابل، نوصي أهل البلدان التي لجأ لها السوريون أن يعاملوا إخوانهم معاملة حسنة، فلربما كان رفع البلاء بسبب مناصرتهم، وتقديم العون لهم، وتنزل الرزق من الله بهؤلاء المكلومين المظلومين، فإياكم أن تضيقوا بهم ذرعاً، أو أن تتبرموا من وجودهم بينكم.

 

3- نؤكد إخوتنا السوريين أن يكونوا نموذجاً للأخلاق الطيبة، والخلال الحميدة، فلا يعبثوا ولا يخربوا ولا يفسدوا ولا يعملوا أي إساءة تمس أمن البلد، أو تخل بالمصلحة العامة.

 

4- ومن الأشياء التي نركز على المحافظة على أصولها ومعالمها –خصوصاً من لجأ إلى دول الغرب–مسألة الهوية، ديننا، أخلاقنا، قيمنا، نكون على صلة بكتاب الله القرآن الكريم، مع عميق تواصلنا مع سنة نبينا –صلى الله عليه وسلم– بفهم وسطي، وتصور سليم، مع تجنب الغلو والتطرف، والابتعاد عن الأفكار الجانحة الشاذة، والفتاوى الظلامية، ونهتم بأعرافنا الطيبة، وتقاليدنا الحسنة، ولغتنا الجميلة؛ فالمحافظة على اللغة العربية، من شعائر الإسلام، مع الحرص على تعلم لغة البلد الذي نحن فيه، فهي آلة العمل والفهم، ووسيلة الحماية؛ فاستيعاب اللغة ولوج في تفاصيل الحياة، وحماية من الكيد، واندماج في المجتمع بشكل إيجابي.

 

5- كما نؤكد إخواننا السوريين أن يضربوا المثل الحسن، في التعاون بينهم، وحب بعضهم والتآثر، وأن يكونوا سنداً للمحتاج، وعوناً للمصاب، وأن يكونوا قدوة في فعل الخير، رغم كل ما يحيط بكم، وقد رأينا من أمثلة الخير ما يرفع الرأس، والحمد لله.

 

6- نوصي إخواننا السوريين أن يحولوا هذه المحنة إلى فرصة، فينتقلوا من مد اليد، وسؤال الناس أعطوه أو منعوه، إلى ساحات العمل والبناء، إلى المصانع والمتاجر والمزارع والأسواق، إلى مساحات الرزق المفتوحة؛ فالسماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، فلا يكونوا عالة على أحد، بل يشمروا عن ساعد الجد، فيجتهدوا، ويصنعوا الحياة باسمة، حيث يحل هذا الصنف من الناس، والشعب السوري يُضرب به المثل في الجد والاجتهاد، والنشاط والحيوية.. حقاً إن الشعب السوري شعب عملي، وهذا ما يثبته الواقع، فقد غطوا ساحات العمل بالعاملين، وفي بعض البلدان صار أصحاب البلد يغارون من نشاطهم وهمتهم وإبداعهم في أعمالهم.

 

7- ومن تحويل المحنة إلى فرصة: استثمار دراسة الأبناء والأجيال، وادفعوا بهم إلى محاضن العلم، إلى المدارس والمعاهد والجامعات؛ فالعلم نور، وبه تنير الحياة، وتتفتح دروب الرجاء، وتبنى به الأجيال، ومن خلالهم تتحول الحياة إلى مصباح منير، وبه من حولهم يستنير؛ «ومن سلك طريقاً يلتمس به علماً، سهل الله له به طريقاً إلى الجنة»، والجهل ظلام، وهو حالة مزرية، تحيط بالأجيال، فتهلكها وتدمرها وتقضي عليها بصورة أو بأخرى.

 

8- ولا بد من تذكر أن الصبر هو المدرسة التي تسري عن النفس، وتكون سلوة المؤمن، وزاداً على طريق المحنة، أما التذمر والتسخط والتلفظ بما يسخط الله فهو مصيبة، وكارثة مركبة.

الدكتور عامر أبو سلامة

مفكر وكاتب إسلامي