ثلاث حقائق تؤمن بها جماعة الإخوان في سورية
لابد أن نعلن قناعتنا المبدئية بمجموعة من الحقائق:
الحقيقة الأولى: أن الأمة دائماً هي مصدر الولايات، ومنها يستمد صاحب الولاية شرعيته، ولقد كانت الكلمة الأولى لخليفة المسلمين الأول غاية في الإيجاز (أيها الناس وليت عليكم ولست بخيركم..) فلم ير فيها حقاً مكتسباً، ولم يرَ في نفسه فذّاً مميزاً على العالمين.
الحقيقة الثانية: أن الفطرة السوية هي ميزان الحق الأولي (بل الإنسان على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيره) (استفت قلبك ولو أفتاك وأفتوك..).
ولكن لما كانت النفس الإنسانية عرضة للزيغ والميل والانحراف، فقد تأكدت معالم (الحق) و(الباطل) في شرعة الإسلام بالنص الشرعي على هذه المعاني، وكان هذا التأكيد بمثابة قطع لأي شكل من أشكال النزاع حول قيم الوجود الأساسية.وفي إطار هذا الفهم يتبدى هذا الحق الأصيل في منظومة من القيم المطلقة التي لا يمس جوهرها زمان ولا مكان، ولا يعدو عليها إنسان إلا وقد ارتكس وانتكس في إنسانيته، وهو معنى ((أسفل سافلين)) الذي أشار إليه القرآن الكريم ((لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين)) ولكن لابد للحقائق المجردة المطلقة دائماً من لبوسها (الزماني) (المكاني)، الذي تتجلى فيه حقائق ملموسة حية، وهذه الملابسة بالزمان والمكان، هي التي تجسّد الفرق بين جوهر القيم المجرد المطلق، وبين صورها العملية في حياة الناس. وهذه الصور هي التي أطلق عليها القرآن الكريم مصطلح ((المعروف، والمنكر)). بينما أطلق الفقهاء على غايات الأحكام وعللها النهائية مصطلح (مقاصد الشريعة). فمقاصد الشريعة علة الكثير من الأحكام، وعليها دورانها.
وإذا كان الفقهاء قد اجتمعوا (على أنه لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان)، فإن المقاصد الشرعية تعتبر الأصل الذي تدور عليه هذه الأحكام.
وقد انتظمت مقاصد الشريعة عند سلف الأمة في كليات خمس رئيسية هي: حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال. وهي منظومة مفتوحة غير مغلقة، قابلة للزيادة، كما أنها قابلة للتشعيب والتطوير.
وخلاصة ما نريد التأكيد عليه في هذا المقام هو أن السلطة في تصورنا الإسلامي، لا تتحرك في فراغ بل إنها تتحرك في دائرة من الثوابت التي تعتبر الأساس لأي حياة إنسانية رشيدة وقويمة. وأن دعاوى (الفردية) و(الحرية) عندما تخرج عن مرتسماتها الإيجابية، تقود إلى الفوضى والاضطراب والضياع.
وعلى أساس من مقاصد الشريعة العامة، تستطيع السلطة أن تتحرك في سن التشريعات أو القوانين في إطار المصلحة العامة للأمة، وبهدي النصوص الشرعية التي جاءت عامة ومجملة حيث اقتضى المقام العموم، وجزئية مفصلة حيث احتمل المقام ذلك.
الحقيقة الثالثة: في مواصفات الفرد القائم بمهمة التمثيل الاجتماعي والسياسي، حيث إن مقام الممثل، هو مقام النيابة عن الأمة والمجتمع في حماية مصالحها، وتحقيق أهدافها، وإدراك المصالح والمفاسد في سيرورة حياتها، وهي مهمة ليست تشريفية، ولا بروتوكولية، ولا تظاهرية. إن قوانين جائرة اعتمدت في بناء المؤسسات البرلمانية كانت ترمي إلى أنواع من الدعاية السياسية أو الحزبية أكثر من حرصها على مصلحة الوطن، وخير أبنائه العام. إن نظرة سريعة على جداول أعمال بعض المجالس التمثيلية وقراراتها، ومداخلات بعض أعضائها مما يدخل في باب المضحكات المبكيات.
وإذا كانت معادلة التمثيل محكومة دائماً بالوعي العام لأبناء الوطن، فإن هذا يعود بنا تلقائياً إلى ما قدمناه في بناء الفرد والمجتمع القادر على تحمل مسئوليته الوطنية، من خلال اختيار حرّ وبناء يقوم على عنصري الكفاءة والأمانة، بعيداً عن كثير من الولاءات الموروثة أو المستحدثة التي لا تقدم المصلحة العامة، ولا تكاد تعترف بها، فإن (القوي الأمين) عماد كل إصلاح.
المصدر: المشروع السياسي لسورية المستقبل- رؤية جماعة الإخوان المسلمين في سورية