الإخوان المسلمون في سورية

رؤية إخوان سورية لحل مشكلة الوهن وتقبل المجتمعات العربية للظلم والاستبداد

أبعاد أساسية في الإصلاح الاجتماعي

 
وإذا كانت حلقات الإصلاح الاجتماعي، لا يمكن أن تؤخذ منفردة، بل لا بد أن تأتي متداخلة مع الإصلاح السياسي والإصلاح الثقافي والإصلاح الاقتصادي؛ فإننا في سياق مشروعنا الحضاري الاجتماعي نؤكد على الأبعاد التالية:

 

أولاً ـ صون الأسرة:


التأكيد على مكانة الأسرة، باعتبارها اللبنة الأولية الشرعية في البناء الاجتماعي، ودعمها والوقوف بحزم في وجه كل الدعوات التي تحاول النيل منها نظرياً بالطرح الثقافي، وعملياً بالتشريع والتطويع.

يتضمن هذا؛ تسهيل عملية بناء الأسرة، وتذليل الصعاب أمام جيل الشباب، وتطوير تقاليد الزواج، وفق الضوابط الشرعية، التي أُثقلت بركام العادات، ومن ثم ضبط قانون الأحوال الشخصية في أطره الشرعية، بما يصون الحقوق، ويعين على بناء الأسرة بناءً متوازناً، ويحفظ عليها وجودها، ويدعم بقاءها.

كما يتضمن سن منظومة القوانين التشريعية التي تحمي الأمومة والطفولة، وتفتح الآفاق التكافلية أمام الأسرة التي تشكل الحاضنة الأساس لأجيال الأمة، وهي التي تتحمل عن المجتمع عبء الإنجاب، وتمده بعدد أكبر من الأبناء، الذين يشكلون في أي مشروع حضاري: جندَ إنجاز، أكثر منهم عبء استهلاك، كما دأبت النظرة الرأسمالية المستوردة على تصنيفهم.

وبالمقابل لا بد من تحصين مجتمعنا العربي المسلم، من كل الدعوات الهدامة التي تتبناها منظمات رأسمالية تحت رايات عميّة، مثل مؤتمرات الإسكان ومؤتمرات (المرأة)، التي تسعى حثيثاً لهدم الأسرة، وتعويم العلاقات الإنسانية بين الرجل والمرأة، وتدعو إلى أشكال من العلاقات الإنسانية المبتذلة، تحت شعارات الحرية الفردية، التي قادت (الغرب) إلى حالة من الانحلال الاجتماعي، والفوضى والإباحية، ونشوء جيل كامل من الأبناء ناقصي الإنسانية، مجهولي النسب.


ثانياً ـ نبذ التقليد:


يقوم مشروعنا الحضاري في إطاره المجتمعي، على رفض التقليد الاجتماعي الذي لا يقوم على أساس من نصوص الشريعة، ولا يدعمها مؤيد من نور العقل والحكمة. مهما كانت ذرائعه ودواعيه، التقليد التراثي المحض لعادات الآباء والأجداد مرفوض، وكذلك التقليد للأمم الغالبة في كل أمرها، وتتبع خطواتها ولو كانت خاطئة!!

إن الاستقلال العقلي، الذي يزن كل شيء بميزان الحق ونور العلم، هو المنهج الذي يجب أن يضبط الخلق الاجتماعي الأول، ليسير المجتمع في طريق البناء والإنجاز.


ثالثاً ـ نشر الوعي:


إن انتشار الوعي الذي تمثله حالة الإدراك العام لما أسلفنا يفوِّت على المستبد السياسي، ذرائع استبداده، وعلى المستبد الاقتصادي، ذرائع استغلاله للفرد والمجتمع، وسلبهما الثروة والقدرة على التصرف، كما يفوت على أنماط السلوك الاجتماعي الضار أو المنحرف، قدرتها على تسيير الإنسان إلى حيث ينكر الدين ويرفض العقل، وتأبى الفضيلة.

 

رابعاً ـ الإباء ورفض الظلم:


لقد أوهنت قرون الاستبداد المتطاولة، روح الإباء في مجتمعاتنا، وطوعتها لإرادة الظالمين، وغاب عن الأمة قول مولاها في كتابه العزيز ((والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون)) ولعل من روائع الحكمة في هذه الآية أن سابقتها تتحدث عن الشورى على أنها أساس للعلاقة بين المؤمنين، وكأنها تقرر أن من معاني البغي المقصود في هذه الآية، هو “بغي” استبداد المستبدين: ((والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة، وأمرهم شورى بينهم، ومما رزقناهم ينفقون. والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون. وجزاء سيئة سيئة مثلها)).

إن حالة الوهن التي أصابت الأمة ومجتمعاتها، فحاصرتها في حالة من الغثائية أطمعت فيها عدوها الخارجي حتى تداعى عليها، فاستبيحت بيضتها، وانتقصت أرضها، وانتهكت مقدساتها. وأطمع فيها المستبدين من بني الجلدة واللسان، حتى ليقول قائلهم ما قاله فرعون قديما: ((ما أريكم إلا ما أرى)).

إن مشروعاً حضارياً متكاملاً، لابد أن يكرس في أولياته بناء شعور الأَنَفة في نفوس أبناء المجتمع، الشعور الذي يتصدى للظلم، ويرفضه ويأباه، ويمتلك الجرأة الأدبية والمعنوية ليقوم مقام المناصحة الإيجابية، والمباداة الحضارية، ولو ذهبت حياته فداء ذلك، وبذلك يجاور مقام سيد الشهداء (ورجل قام إلى إمام جائر، فأمره ونهاه فقتله).


خامساً ـ التواصل ( بناء المجتمع المدني):


إن الإسلام الذي وضع على كاهل (الدولة) المسؤولية العامة في رعاية الفرد والمجتمع، حتى ليقول ابن الخطاب رضي الله عنه (لو أن دابة عثرت بشط العراق لخشيت الله أن يسألني عنها لمَ لم أعبد لها الطريق.) هذه المسؤولية الشاملة المنوطة بالدولة، لم تحل دون تقدير الشارع الحكيم لحالات: تغيب فيها الدولة، أو تقصر، أو تضعف، أو تعجز، وحين يحصل هذا، فلا يجوز أن يترك أمر المسلمين سدى، أو يحال إلى كرم أصحاب الضمائر، وإحسان المحسنين، ومن هنا جاء الواجب الكفائي، أو الواجب الجماعي، ليلقي على كاهل من حضر وقدر من المسلمين عبء إزالة الضرر، ورفع الإصر، والدفع في طريق الإنجاز.

الفروض الجماعية أو (الكفائية) دعوة إلى القيام بالواجب لمن حضر وقدر، وتوفرت فيه الأهلية، وهي فروض شرعية، قد تتقدم على الواجب العيني بحق بعض الناس، إذ تكون بالنسبة إليهم عينية عامة، بينما الواجب العيني يبقى فردياً خاصاً.

فمن الفروض الكفائية: إنقاذ الغريق، وإطفاء الحريق، وإسعاف المشرف على الهلاك، وتولي الولايات العامة لأهلها وبأنواعها، والجهاد في سبيل الله،، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والأخذ على يد الظالم، والقيام بالحرف والصناعات الضرورية للناس، وتعلم العلوم التي يحتاجها المسلمون بأنواعها، والبراعة فيها، حتى لينعى الإمام الغزالي على مسلمي عصره، انصرافهم عن علم (الطب) مع مسيس الحاجة إليه، وانصرافهم إلى علم (الفقه) الذي كان يتيح لمن تعلمه تولي القضاء والولايات. وحين يجوع أهل بيت في الإسلام تقع المسؤولية المباشرة على الجار الشبعان، حال تأخرت الدولة، وغابت الجماعة (ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به )، (أيما أهل عرصة أصبح فيها امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله تعالى).


سادساً ـ التكافل والتراحم:


يهمنا أن توطد الدولة نفسها على تحمل العبء الأكبر من سهم المعونة الوطنية، ومن سهم التعليم والصحة والإسكان، والتعويض العائلي للأسر الكبيرة ـ التخطيط الرسمي يسير في الاتجاه المعاكس ـ إلا أن جهود الدولة لا تغني عن بناء وحدات المجتمع على أساس من التكافل والتراحم الاجتماعي، وهذا مطلب أساسي لبرنامجنا في المشروع الوطني، حيث ينبغي أن يتربع نظام الزكاة الذي هو حق لا يقل في مكانته عما تفرضه الدولة من رسوم وضرائب، وربما يكون في إيجاد المؤسسات الوسيطة بين المعطي والآخذ، معنى نفسي نفيس طالما حرص الإسلام عليه بحماية نفسية الآخذ من الشعور بالدونية، وطالما حض المعطي على ألا يبطل صدقاته بالمن والأذى.

في المجتمع المتكافل المتراحم، الذي يميت الفقر والحاجة بين ظهرانيه، تنطلق المسيرة مؤزرة في طريقها الإنساني الحاني، نحو مشروعها الحضاري الرشيد.


سابعاً ـ التقوى:


التقوى بمعناها الإيجابي، هي الخلق الجامع لخلال: الصدق والأمانة والوفاء والإيثار والتضحية والإحسان والإتقان في العمل، والحرص على الوقت والإنجاز والجرأة في الحق، والرفض لكل أشكال الظلم. امتثالا لأمر الله تعالى، واجتنابا لنهيه، وابتغاء ما عنده. كل هذه الخلال، بدأ الناس يفتقدونها في بنية مجتمع رانت عليه تراكمات من حالة الغفلة وحب الشهوات والتخلف والانهيار، وزادته روح اللهفة (الاستكثارية) المحمومة أو حب الدنيا بلاء على بلاء.


ثامناً ـ قبول التحدي:


إن أمتنا أجمع، وشعبنا العربي السوري بشكل خاص، بحاجة إلى من يوقظ في قلبه وعقله هذا الشعور بالتحدي، وإلى من يدفعه إلى التفاعل معه بحركة مدروسة محسوبة، لأن الإخفاق يقود إلى اليأس والقنوط، والإخلاد إلى مستسهل الإنجاز يتركنا منسيين على هامش الحياة.

و(قبول التحدي) هو حالة مجتمعية عامة، تضع المجتمع بشكل عام في حالة من التوتر الإيجابي البناء، الذي يدفعه إلى الإبداع والإنجاز والإتقان. ووضع المجتمع في الحالة (تحت الحرجة) من التوتر الإيجابي تتطلب قدراً أولياً من الحرية والأمن والاستقرار والثقة والمسئولية. إن الاستبداد يخلق حالة مجتمعية من اليأس واللامبالاة، لا يمكن أن تؤدي إلا إلى المزيد من الاضمحلال والضياع.

إن الموقف السياسي الذي فرض على شعبنا حالة الخوف والقهر وانعدام الثقة، سلبه بذلك قدرته على التفاعل مع التحديات، والتعاطي مع الشأن العام.

طريق المشروع الحضاري يبدأ من هنا من عمق الذات الفردية، ومن قاع المجتمع العام، بخطاب يمتلك مفاتح القلوب والعقول، لينتقل بالمجتمع من حال إلى حال أفضل.

المصدر: المشروع السياسي لسورية المستقبل- رؤية جماعة الإخوان المسلمين في سورية

محرر الموقع