الإخوان المسلمون في سورية

قراءة في خطاب الفتنة العالمية لتوني بلير

أن تكون هذه النقلة الغريبة المدهشة، في خطاب بلير التحريضي، الذي وصفه أحدهم بالحرب الصليبية، وعلى هذه الشاكلة، تظهر زفرات الكلمات الجارحة وشهقاتها، التي أطلقت على لسان هذا الذي لا يدرك عواقب الأمور ونواتجها، وما تجر من خيبات، وما تفعل من نكسات، فهذا أمر يحتاج إلى وقفة تأمل، وإعادة نظر، وإعمال فكر.
لننظر من المستفيد من هذا الإشعال، لهذه الحرائق، ستلتهم الأخضر واليابس، في مواجهة فتنة عمياء، لا تبقي ولا تذر، بين الشرق والشرق، والشرق والغرب.
إن مضمون خطاب بلير، الذي يدعو فيه إلى اصطفاف العالم، وبالذات الغربي، مع روسيا والصين، في مواجهة أبناء التيارات الإسلامية، الذين يعملون من خلال ( القوة الناعمة) ويمثلون (الإسلام السياسي)، أو وصفهم بـ(الراديكالية الإسلامية)، ونحن لا نؤمن بكل هذه التقسيمات، والفرز غير الصحيح، والإسلاميون المعنيون بالكلام، هم الذين يعملون من خلال منظومات الحراك المجتمعي، والمنظمات الأهلية، ويعملون على قاعدة إصلاح الدولة والمجتمع، بالحكمة والموعظة الحسنة، في حدود القوانين المرعية، ويمارسون شؤونهم، على حسب ما يتاح لهم من أجندات عمل سياسي، ومنها المشاركة في الانتخابات، عبر صناديق الاقتراع.

دعوة حمقاء

هذا الخطاب الذي أطلقه بلير يصب في خانة الحمق، يدعو بشكل واضح وصريح، إلى مواجهة مرة، بين الغرب بالدرجة الأولى، وبين العالم الإسلامي، هذه هي النتيجة، بلا لف ولا دوران.
وأبناء العالم الإسلامي، شبوا عن الطوق، وصارت مداركهم واسعة، بحيث أنهم استطاعوا أن يغلقوا منافذ العبور غير الآمن، لأي فكرة دخيلة يمكن أن تؤدي بهم إلى ساحات التيه، أو قتل النفس، من حيث لا يدرون.
دعوة بلير هذه، إنما هي قص لشريط فتنة، مع عامة أبناء الأمة، من الذين يتعاملون بحكمة مع الأحداث، ويتخلقون بالحلم، في حال الضغط عليهم، فهذا خلط للأوراق له دلالات خطيرة، في عالم التعاطي مع الحدث بصورته العامة.
كنتم تشكون من العنف، واليوم تشكون من السلم، فماذا يريد بلير من هذا الخلط؟ ولأي طريق يريد أن يصل؟
وما طبيعة الورطة التي يريد أن يوقع الشرق والغرب بها؟

مخرجات كارثية

مما لا شك فيه، إن بث روح الكراهية، بهذه اللغة الناقمة، سيؤدي إلى نتائج كارثية، ومخرجات في غاية الصعوبة، وتنذر بشر مستطير، وعواقب غير مريحة.
وأوضح من خلال خطابه، أنه يدفع لهذا بأسلوب التسهيل للأمر والتهوين من مخاطره، ويحاول أن يصوره، على أنه نزهة، سيقطف الغرب منها الروح والريحان، ويكون الفعل على بساط من حرير.
والأمر بكل تأكيد،، ليس بهذه السهولة، بل هذا نوع توريط، ومن أراد أن يوقع الناس في هذا، لا بد أن يسلك سبيل التهوين، والابتعاد عن التهويل، ولما يقع الفاس بالراس، سيقول: إنى أرى ما لا ترون، ويكون أول المتبرئين من كارثة ما يحدث.
لذا كان لزاماً على العقلاء، من القادة والمفكرين والساسة، وصناع القرار، أن يعوا خطورة مثل هذه الدعوات، وأن يعملوا على إشاعة لغة الحوار والتفاهم، لا لغة الصراع والتناحر، الذي يغذيه بلير وأمثاله، من الذين لا يدركون عواقب الأمور ومخاطرها، أو أنهم يدركون ذلك، ولكنهم يريدون توريط الساسة، ليقعوا في حرب استنزاف، ستكلفهم الكثير من الويلات، وبعثرة الجهود، واللعب في مربعات الخطأ، وعلى كل المستويات، وفي هذه الأخيرة يكون الأمر أفظع وأكبر، من هنا لزم الحذر! وهو الذي يدفع كل عاقل، إلى التساؤل: أين يريد بلير وأمثاله، أن يصلوا بالعالم؟! وما شكل العالم بعد هذا الصراع المر، في العالم الحر، مما يخطط له أمثال هؤلاء؟!
لا شك أنهم يريدون الوصول إلى النفق المظلم، وإلى عنق الزجاجة، وإلى العودة بالتاريخ، ليقفز إلى منصة الحاضر، لنجد على الطاولة، مفردات الألم والأسى، الذي ما زالت الإنسانية إلى اليوم لم تتخلص من عصور ظلامه.

همهم مصالحهم

خطاب بلير، يفقد كل المتشدقين بالديمقراطية مصداقيتهم، وأنهم لا يريدون حرية، ولا يبحثون عن حقوق الإنسان، ولا يؤمنون بصناديق الاقتراع، وإنما هم عبارة عن وصوليين، وبراجماتيين من نوع خبيث، لا هم لهم إلا أن يصلوا إلى أغراضهم، وتلك القضايا التي يتشدقون بها، إنما هي عبارة عن شعارات، تستخدم للتخدير والترويج والدعاية.
وهذا يعني من ضمن ما يعني، الدفع نحو حرق كل مراكب السلم الاجتماعي، وإقلاق السكينة العامة، وحصر الناس إلى الاتجاه نحو مربعات معينة، ليقيموا عليهم الحجة، وهنا يسهل صيدهم.
وأبناء الحركات الإسلامية، أوعى من أن يقعوا في فخ كهذا الفخ، ولن يصلوا إلى هذا المستوى من التفكير، مهما حوصروا ليكونوا فيه، ولكن الخاسر هو هذا الذي يحض على بث روح العداوة والبغضاء.
وفي خضم مثل هذه التفجيرات النارية، التي يطلقها بلير وأمثاله، لا بد من التوجه إلى كل العقلاء، في هذا العالم، أن يكونوا على حذر من مثل هذه الدعوات، التي هي صناعة الدكتاتوريات الفظيعة، التي عانى منها الشرق والغرب.
وبالمقابل لا بد أن تفتح طاولات الحوار المستديرة، التي تعزز لغة التعايش، على قواعد الحرية والعدل وحقوق الإنسان، بلا عدوان، ولا مكاييل متعددة.
وبهذا يتمايز طريقان:
الأول: ما يريده بلير، وهو فتح لملفات صراع قاتل، سيؤذي جميع الأطراف، ويحول العالم إلى معسكرات التناحر والتقاتل، والاصطفاف غير المبصر، الذي يؤدي إلى تفتيت الحضارات وتآكلها، وإشاعة قوانين التعصب، والنفخ في كير مأساتها، يريد (صراع الحضارات) بديلاً عن حوارها، وفرض النموذج (ونهاية التاريخ) بدل احترام الخصوصية، وتأكيد حقوق الإنسان، ولو اختلف معي في الدين والمذهب.
الثاني: سبيل الحوار الحضاري، الذي يقوم على تبادل المنافع، واحترام الخصوصية، وإعلاء مبدأ التعاطى مع هذا بلغة الضوابط المقررة، ومنها الحريات السياسية، التي تخدم جانب الاستقرار، في العالم كله، ومنه العالم الإسلامي، والتيارات الإسلامية، الوسطية المعتدلة، التي شن بلير هجمته عليها، جزء مهم من تكوينه.
إذا التف الناس، حول التيار الثاني، كان الحوار والتفاهم والتعايش، وتبادل المصالح، وتكامل الافادة من المنافع.
أما التيار الأول، فأنصاره سيعضون أصابع الندم، لما سيجره عليهم، وعلى غيرهم من بؤس وشقاء، ولات ساعة مندم حينها.
((وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ {227}‏)) (الشعراء)

الدكتور عامر أبو سلامة

مفكر وكاتب إسلامي