الإخوان المسلمون في سورية

مع الصيام

محمد الغزالي
الصيام شريعة تشتبك مع أعتى الغرائز البشرية، غريزتي الأكل والجنس، وهما الغريزتان اللتان سيطرتا على السلوك في الحضارة الحديثة، وفرضتا أنفسهما على كلِّ شيء في عالم الأزياء والغذاء!!
والإسلام لا يحارب الجسد، ولكنّه يرقبه بدقة ويحاصره بأحكام الحلال والحرام، ويرشده إلى مصالحة العاجلة والآجلة.
وقد ختمت آيات الصيام بقوله تعالى: ((يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)).
فالصيام وإن كان تكليفاً فيه بعض المشقة، إلا أنه حميد العقبى، جميل الأثر، ويتحول مع الأداء الصحيح إلى نعمة جديرة بالشكر..
أمّا عبادة الجسد والمسارعة فى هواه فحيوانية تزري بصاحبها وتجرّ عليه الهوان فى الدنيا والآخرة..
وقد انفرد الإسلام بهذه الفريضة من الحرمان الموقوت، وجعلها دعماً للإرادة ومعراجاً للسمو ومرضاة لله سبحانه.
وقد لاحظت أن مراسلين للصحف الأجنبية والوكالات العالمية تندسّ عندنا بين الجماهير ووسط الأحياء المختلفة لتعرف: أبقي المسلمون أوفياء لرمضان يصومون أيامه ويقومون لياليه؟ أم جرفتهم تيارات الحضارة، فقرروا الإفطار والمنام..! والواقع أنّ الكثرة الكبرى تطيع ربها وتحترم الشهر المبارك، ولكني وجدت أن التقاليد الضارة تهجم على الشهر وتكاد تطفئ سناه وتمحو أثره، هناك من يجوع كثيراً ليستطيع الأكل أكثر، فرمضان عنده شهر الطعام لا شهر الصيام!
وقد استعدت وسائل الإعلام فى أقطار كثيرة بفنون التسلية لتنقل المسلمين من الجدّ إلى الهزل، وتصرفهم عن الشغل بقضاياهم الخطيرة إلى التيه وراء خيالات مريضة.
ومعروف أن رمضان يجيء والإسلام يستوحش من مآسٍ أحاطت بأهله وهزائم ألحقت بهم جراحات غائرة، فإذا لم يكن الشهر للإنابة والاستغاثة فلماذا يكون؟
وأسوأ ما ألاحظه على قومي أنهم يسمعون القرآن ولا يتدبرون! وتمر بهم المعاني التي تهدّ الجبال، فإذا بعضهم يصيح طرباً، ويستعيد الآيات إعجاباً بالأنغام التي حفت بها..!!
ليس هذا سماعا، وإنما هو طمس وذهول، يبرؤ منهما عباد الرحمن الذين جاء فى صفتهم: ((والَّذينَ إذا ذُكِّروا بِآياتِ رَبِّهمُ لم يخِرّوا عليها صُمّاً وعُميانا))
إنَّ رمضان فُرصة لتوبة نصوح، وأملُ فى نصرٍ قريب على شرط أن نصومه ونقومه كما أمر الله سبحانه. فكم فينا من قلق يريد القرار! وهائم عن وطنه يريد العودة ومهزوم يشتاق للنصر..

* من كتاب الحق المر: 5/ 26-27

محرر الموقع