الإخوان المسلمون في سورية

هل أنت متواضع حقاً؟

يعلم المسلم أن الكِبْر رذيلة، وأنه من باطن الإثم، وأنه لا يدخل الجنة مَن كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كِبر… كما يعلم أن التواضع فضيلة حثّ عليها الإسلام وأشاد بها. ولكنْ قد يخدع المسلم نفسه حين يظنّ أنه متواضع وهو خلاف ذلك. إنه لا بد من ميزان يفرّق بين التواضع الذي يحبه الله، وبين الكِبْر المغلَّف بتواضع زائف.
ولنستعرض بعض النصوص من كتاب الله تعالى، وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم، ثم من أقوال بعض السلف الصالح، لعلّ هذا يُضيئ لنا الطريق:
يقول الله تعالى: ((سأصرفُ عن آياتيَ الذين يتكبّرون في الأرض بغير الحق، وإنْ يَرَوا كلَّ آيةٍ لا يؤمنوا بها، وإنْ يَرَوا سبيلَ الرُّشد لا يتّخذوه سبيلاً..)). {سورة الأعراف: 146}.
فمن صفة المتكبّرين أنهم لا ينصاعون إلى الحق مهما بدا لهم صريحاً.
ويقول سبحانه: ((إنّ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطانٍ أتاهم. إنْ في صدورهم إلا كِبْرٌ ما هُم ببالغيه)). {سورة غافر: 56}.
يقول ابن عاشور، رحمه الله، في تفسير هذه الآية: “… ولكنّ الذي يدفعهم إلى التكذيب هو التكبّر عن أن يكونوا تبعاً للرسول صلى الله عليه وسلم، ووراء الذين سبقوهم بالإيمان ممن كانوا لا يعبؤون بهم”.
ونأتي إلى كلام النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقد أنزل الله تعالى عليه الذكر ليُبيّن للناس ما نُزّل إليهم.

روى مسلم عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يدخلُ الجنّة مَن كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كِبْر”. قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبُه حسناً ونعلُه حسنة! قال صلى الله عليه وسلم: “إن الله جميلٌ يحبّ الجمال. الكِبر بطر الحق وغمط الناس”.
الكِبْر إذاً من آثام القلب التي تمنع من دخول الجنة، ولو كان في القلب منه مثقال ذرة. ولكنّ الزينة الحلال في اللباس وغيره ليست من الكبر. بل الكبر أن يرى الإنسان الحقّ فيأنف أن يتبعه، وأن يحقر الناس ويزدريهم.
وروى مسلم أيضاً: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “يقول الله تعالى: الكبرياء ردائي، والعَظَمة إزاري. فمَن نازعني واحداً منهما، ألقيتُه في جهنم ولا أبالي”.
وروى مسلم أيضاً: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إنّ الله أوحى إليّ أنْ تواضعوا حتى لا يَفْخرَ أحد على أحد، ولا يبغيَ أحد على أحد”.
وهكذا فَهِمَ الأفاضل من سلف هذه الأمة أن التواضع نقيض الكبر، وأنه الخضوع للحق والتسليم له متى ظهر، وأنه الامتناع عن تحقير المسلم أو ازدرائه بأنه أقل منه مالاً ونَفَراً، أو أضعف جاهاً وأقل أنصاراً…
قال الزاهد يوسف بن أسباط الشيباني: التواضع ألا تلقى أحداً إلا رأيتَ له الفضل عليك [أي رأيته أفضل منك]. وقال: يُجزي [أي يكفي] قليلُ الورع والتواضع عن كثير الاجتهاد في العمل.
وقال الإمام الشافعي: التواضع من أخلاق الكرام، والتكبر من شِيَم اللئام.
والآن ليسألْ كل منا نفسه، ليرى أهو متواضع حقاً؟:
هل أنا ممن إذا نُبّهُوا إلى خطأ في الفكر أو السلوك، أستجيب لمن ينبّهني، أم تأخذني العزّة بالإثم فأجادل وأُماحِك؟
وهل تخلّقتُ بخلُق الفئة التي أثنى الله عليها: ((… أذلّةٍ على المؤمنين، أعزّةٍ على الكافرين)). {سورة المائدة: 54}، وعلمتُ أن ذلّتي أمام المسلم ترفعني عند الله؟
وهل أُعظّم الناسَ على قدر جاههم ومكانتهم الاجتماعية وثرواتهم… وأنظر نظرةَ دونٍ لمن كان فقير اليد، أو مغموراً في الناس؟
وعندما أقدّم مساعدةً في جهد أو مال، لواحد من ضعفاء المسلمين، هل أشعر أني أفضل منه؟
نسأل الله أن يجعلنا من عباده المتواضعين حقيقة، الموطّئين أكنافاً، المشمولين بقوله سبحانه: ((تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون عُلُوّاً في الأرض ولا فساداً. والعاقبة للمتّقين)). {سورة القصص: 83}.

محمد عادل فارس