ولئن كانت مسيرة الجماعة خلال العقود السابقة لتؤكد على أنها تستهدي بتراثها، وتعتز بأصالتها، وتجدد في أساليب حركتها، فإننا لنؤكد على أن جماعتنا اليوم في مرحلة تجديد الذات عن طريق مراجعة الماضي وتأمل الحاضر واستشراف المستقبل، وهي تسعى لتكون الحركة الإسلامية الوسط لتطبيق شريعة الله في حياة عباده بالاعتماد على أصول الدين والاستفادة من التجارب البشرية في مجالات التقدم والإصلاح ببرامج ووسائل قابلة للمراجعة والتقويم.
وهي تعتمد في مسيرتها على المفاهيم التالية:
-
تؤمن الجماعة أن الإسلام دين شامل لكل جوانب الحياة، وينظم العلاقة بين الإنسان وربه وبين الإنسان والإنسان، وهو بذلك دين عبادات ودين معاملات وتشمل تشريعاته كل الجوانب الروحية والثقافية والاقتصادية والسياسية للحياة. وتؤمن كذلك أن الإسلام لا يفصل الدين عن السياسة على أننا لا ندعو إلى دولة ثيوقراطية[1] فنحن لا نقبل الشمولية التي تغلف الاستبداد البشري بالمقدس الديني، وتفرق بوضوح بين النصوص الإسلامية القطعية الثابتة في القرآن الكريم والسنة المطهرة وهي نصوص مقدسة وبين اجتهادات المسلمين القديمة والمعاصرة والتي تخضع للمراجعة والمناقشة ولا تحمل صفة القداسة.
-
تؤمن الجماعة أن الحكم العادل هو أحد الأهداف الكبرى في الإسلام، وأن الاستبداد السياسي هو عدوان على كرامة الناس وحقهم في اختيار النظام الذي يريدون لتحقيق إرادتهم ومصالحهم, وحقهم في مساءلته ومحاسبته وتقويمه (إن رأيتموني على حق فأعينونادي، وإن رأيتموني على باطل فقوموني)، وتؤمن كذلك أن الإسلام بقيمه وأحكامه هو خير منطلق لتأسيس الحكم العادل الذي يحقق مصالح الناس في الدنيا والآخرة.
-
تدعو الجماعة إلى الوسطية والاعتدال وتبني منهج الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة في الدعوة إلى الله عز وجل، وهي تنظر إلى الحركات الإسلامية الأخرى و العاملين للإسلام في سوريا نظرة احترام وتقدير وتناصح في الدين وجدال بالتي هي أحسن وتعاون على البر والتقوى، كما قال البنا في قاعدته الذهبية: (نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه)، وهي إن اختلفت معهم في جانب أو تصور اتفقت معهم في جوانب و تصورات.
-
تتعامل الجماعة كذلك مع الحركات والأحزاب غير الإسلامية من منظور القواسم المشتركة في سبيل مصلحة الأمة والوطن، وهي تؤمن بالحوار الفكري السياسي والتفاعل الضروري بين كل عناصر الأمة وفئاتها وتجتهد لتكون عنصر تقريب وتوحيد لا عنصر تباعد وتفريق وتشجع كل اجتهاد ثقافي أو اجتماعي أو سياسي لا يتعارض مع قواطع شرع الله، وتتفاعل معه.
-
تؤمن الجماعة بتغير الحلول مع تغير الظروف والمعطيات، وترى الإسلام ديناً تتفاعل نصوصه مع واقع الحياة ويقدم لها الحلول في إطار مقاصد الشريعة العامة، وهي لا تغفل في مسيرتها فقه الأولويات ووضع كل هدف في مرتبته، وكذلك فقه الموازنات الذي تغلب فيه المصالح على المفاسد من خلال الواقع المعيش، وكذلك الموازنة بين المصالح بعضها وبعض، وبين المفاسد بعضها وبعض، في ضوء معايير سليمة ومعتبرة.
-
تفرق الجماعة في التعامل بين العقيدة والعبادة، والشريعة، فالعقيدة والعبادة تؤخذان جملة واحدة، أما الشريعة فالأصل في إبلاغها للناس تطبيقها في واقع الحياة التدرج ، وكما أن عرى الإسلام تنقض عروةً عروة –أي تدريجياً- فإن العودة إليها يجب أن تكون كذلك، فنقل الناس إلى الانضواء من جديد تحت لواء الإسلام في تنظيمه الشامل لحياة الناس يقتضي التدرج في التطبيق، ولا يقال هنا إن التدرج قد أغلق بانقطاع الوحي وإكمال الدين، فليس الأمر تدرجاً في التشريع وإنما هو تدرج في التطبيق وبغيره تفوت المصالح ويقع الحرج ويعرض الناس جملةً عن الشريعة.
-
تحرص الجماعة على الاستفادة من تجارب الآخرين –فالحكمة ضالة المؤمن – وهي ليست حكراً على أمة دون أمة ولا على جيل دون جيل ، ولو كانت كذلك ما دعا الحق سبحانه وتعالى المؤمنين إلى أن يسيروا في الأرض وأن ينظروا …كما تحرص على وضع حد لما هو شائع بين بعض دعاة الإسلام من استخفاف بتجارب الأمم والشعوب في مجال النظم السياسية والاقتصادية بدعوى أن المسلم لا يحتاج إليها أو أنّ الله سبحانه وتعالى لم يفرط في الكتاب من شيء و ترى أنه لا يجوز الرفض المطلق ولا القبول المطلق لأي مذهب أو نظرية من نظريات الإصلاح السياسي والاقتصادي أو الاجتماعي لأن الأمر مرهون بمصالح الأمة المنضبطة بميزان الشرع، وقد اقتبس عمر رضي الله عنه من أنظمة الدول الكبرى المعاصرة له، ولم يجد من الدين ما يمنعه من ذلك.
-
وتؤمن الجماعة أن مصلحة الأمة وأمنها واستقرارها يكمن في حرية العمل العلني للأحزاب والجماعات، فالأصل في الدعوة العلن والعمل السري هو الاستثناء وإن طال، و هذا لن يتم إلا بإقرار الحريات العامة ، وإشاعة ثقافة الحوار في المجتمع بدل ثقافة الإقصاء وثقافة التعايش بدل ثقافة الاستئصال، ..وقد كان العمل السري ملجأ للجماعة من الممارسات القمعية التي واجهتها.. وانعكس ذلك سلباً على العمل برمته.. فالنمو الطبيعي والطاقات البناءة المتسامحة لا تظهر إلا في أجواء الحرية والعدل، ولذلك فإن الجماعة تطالب بالحرية وبحقها في التعبير عن نفسها بشكل علني، وطرح برامجها بالطرق السلمية والديمقراطية[2].
-
تستنكر الجماعة الإرهاب سواء كان إرهاب دولة أو إرهاب الأفراد والجماعات، وتدعو لتعريف واضح له[3] حتى لا يبقى ذريعة لمحاربة المستضعفين، وهي تعتبر الجهاد ضد المحتل حقا مشروعا أقره الإسلام، كما أقرته سائر الشرائع السماوية، والمواثيق الدولية، وقد مارسته الشعوب لتحرير بلادها في مختلف الأمكنة والأزمنة.
-
منذ تأسيسها عام 1945م كانت الجماعة وعبر مسيرتها وتاريخها فصيلا وطنياً يمثل تياراً شعبياً تعايش مع كل الفصائل السياسية في سورية سواء من وافق فكرها أو خالفها وهي لا تُقِرُّ أسلوب العنف؛ وما حصل في الثمانينيات من مواجهة مسلحة كان حالة استثنائية في تاريخ الإخوان وتاريخ القطر السوري أيضاً، فالأخوان قبل الثمانينيات ومنذ تأسيس تنظيمهم أصحاب خطاب منفتح يؤمن بالحوار والتعايش مع مختلف القوى على الساحة السورية وقد أسهموا في الانتخابات والمجالس النيابية و الوزارات ولم يعتمدوا الانقلابات العسكرية وسيلة للتغير. وبعدها عانت سورية سلسلة من الانقلابات العسكرية كان آخرها انقلاب عام 1963م الذي قاده حزب البعث ضد حكومة وطنية منتخبة -كان الإخوان والبعثيون أنفسهم مشاركين فيها!- واستولى على السلطة وكرّس نظام الحزب الواحد ونصب نفسه قائد الدولة والمجتمع، واحتكر السلطة وحمى نفسه بمنظومة من الأجهزة القمعية والأمنية، واتبع أساليب ثورية انقلابية عنيفة وضعت أمام المعارضين خيارات تراوحت بين العمل السري أو السجن أو القبر أو المنفى؛ وبما أن الدولة القمعية لا تنتج إلا معارضة عنيفة فقد أفرز عنف الدولة هذا عنفاً مقابلاً له عند المعارضين بلغ أشده في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات عندما اندلع نشاط معارض مسلح ضد السلطة شارك فيه الإخوان المسلمون قمعته السلطة بوحشية ونتج عن ذلك خسائر باهظة دفع ثمنها أبناء الوطن جميعاً, أزهقت فيها أرواح بريئة، وانتهكت حرمات مصونة، ولا تزال آثارها باقية في السجون والمنافي والفرز الاجتماعي الحاد وشعور السوريين على اختلاف انتماءاتهم باليأس وانسداد الأفق.