الإخوان المسلمون في سورية

حديث المولد

حديث المولد الذي تحدّى به المسلمون السوريون ذكرى تأسيس البعث حزب البعث، وذكرى الثورة البلشفية.. حتى أرغموا الأنوف وأذلّوها…
كان ذلك منذ نهاية الستينات وسائر السبعينات..
ويوم ضاق السوريون ذرعا، بصفاقات “حزب الطوائف” و”حزب الطوائف” هو العنوان الذي أطلقه الأمين العام الثاني لحزب البعث العربي الاشتراكي الأردني “منيف الرزاز” على الحزب الذي تولّى أمانته بعد ميشيل عفلق. وحين أستعيد لقب “حزب الطوائف” لحزب البعث، فأنا لا أفعل ذلك إلا لنبرأ من جذام الطائفية المقيت… شر الناس من يقتدي بعدوّه، أو يجعله معلماً ولو على سبيل العدو.
وضاق السوريون ذرعاً بصفاقات حزب الطوائف، يوم صار الاحتفال بذكرى تأسيس البعث، أو ميلاد البعث، كما صاروا يسمونه في السابع من نيسان، هو اليوم الاحتفالي الأول في واقع سورية والسوريين، ثم انضم إلى ذلك وفي لحظات أكثر حلكة في تاريخ سورية والسوريين، الاحتفال بذكرى الثورة البلشفية أو الشيوعية في شهر تشرين الأول من 1917، ثم ضم البعثيون الطائفيون إلى ذلك الاحتفال بعيد ميلاد لينين في الثاني والعشرين من نيسان أيضا..
كانت جميع هذه الاحتفالات الرخوة تشكل عمليات استفزاز لا حدود له، للضمير السوري، وللشعب السوري، وكان الناس يحاولون الرد على الاستفزاز فلا يستطيعون…
في عام من أواخر الستينات، اجتمعت ذكرى المولد النبوي الشريف…
ولد المشرف في ربيع الأول… فالكون يرقص والكواكب تنجلي
اجتمعت ذكرى المولد في شهر نيسان متأخرة في التقويم عن ذكريات البعث الطائفية القميئة المقيتة.. فأراد السوريون أن يلقموا هؤلاء الصغار حجرا، وأن يعلموهم كيف يكون الاحتفال، وكيف يكون التعبير عن الحب الحقيقي، وفي لحظة تحدٍّ عفوية، غير مقررة ولا مدبرة، انطلق السوريون في جميع المدن السورية يؤكدون ولاءهم وحبهم واعتزازهم بنبيهم وبدينهم.. موجة صاخبة من أنوار الربيع فازّيّن في سورية، كل شيء الشوارع والمحافل والنوادي والفصول المدرسية، يتباهى طلابها أيها أجمل، والمنابر في المساجد يعلن الخطباء عليها الولاء الخالص لمحمد رسول الله -صلوا وسلموا على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين- وتزهر الشموع والقناديل مع أصوات المنشدين:
يا هذه الدنيا أطلي واشهدي.. إنا بغير محمد لا نقتدي..
لا رأسمال الغرب ينفعنا ولا.. فوضى شيوعي أجير أبلد
وكان الاحتفال يومها نصرا، وكان تأييدا، وكان صفعة تورم لها أنف المصفوع ووجنتاه!! ألا ليت أصحاب الدم البارد والورع البارد يفقهون…
كان هذا منذ أواخر الستينات ثم تمادى واستمر…
كنا إذا سرنا في شوارع حلب -ولبكي على حلب ولو بقي في عمري يوم يا يوم- كنا إذا سرنا في شوارع حلب حسبنا أنفسنا في صالة صغيرة ازينت لاستقبال حاج، أو لحفل زفاف.. فشارع مثل شارع القلعة الجميلية بحوالي عشرة كيلو متر كله مسقوف بأغصان الزيتون، مزدان بأهاليل الزينة، مضاء بألوان وأشكال المصابيح، مرصوف أفاقه بعشرات اللافتات..
ولد الهدى فالكائنات ضياء.. وفم الزمان تبسم وثناء
وأشرطة التسجيل تصدح بأناشيد المنشدين من الصباح حتى المساء وعلى مدى أيام في ذكرى اليوم السعيد..
أرّخت لكم أن العام الأول لهذا الاحتفال، وعلى هذا المستوى كان في عام 1968 وهي شر أعوام عنطزة حزب الطوائف بعد انتصاره في حرب السابعة والستين.. منطقهم وتبجحهم: “إسرائيل” لم تظفر منهم بغير الجولان، وكانت تريد إسقاطهم ولم تستطع، واعتمدوا حمص عاصمة بديلة، ولكي لا أكون طائفياً فقد كنا في عهد جديد والأسد وعمران وماخوس والأتاسي نور الدين، وزعين دون أن أنسى من قبل هذه القشرة أبو عبدو المعروف…
ومنذ ذلك التاريخ أصبحت ذكرى عيد المولد النبوي الشريف محطة للتحدي.. ولم يعد السوريون يحتفلون بيوم المولد فقط بل بشهر المولد أيضا، ومن ثم امتد التقليد ليشمل كل الأيام الصالحة في تاريخ الإسلام والمسلمين.. وذكرى الهجرة وذكرى الإسراء والمعراج وذكرى غزوة بدر والفتح…
احتفالنا بذكرى مولد رسولنا ونبينا وأسوتنا وقائدنا ومعلمنا وروح أرواحنا وضمير نفوسنا سيدنا محمد -صلى الله على محمد-، ليس احتفال متكئين على أرائكهم مترفين، أو فكهين.. وإنما هو احتفال مقاتلين يخوضون معركة وجود هذه الأمة بقوة وجرأة واقتدار…
الله غايتنا.. والرسول قائدنا…
ولد الهدى فالكائنات ضياء … وفم الزمان تبسم وثناء

زهير سالم

مدير مركز الشرق العربي، قيادي سابق في جماعة الإخوان المسلمين في سورية