حمزة الإدلبي
فاجئ قرار الانسحاب الأميركي من سورية والذي أعلنه ترامب قبل أيام الجميع، ويبدو أن النواب الجمهوريين في حكومته هم أكثر من تفاجئ بالقرار، وانتقد الكثيرون هذا الانسحاب خوفاً من تداعياته الخطرة والتي من الممكن أن تؤثر عليهم وعلى مصالحهم.
ومن المؤكد بأن إسرائيل هي أحد المتضررين من هذا الانسحاب، فقد يسهّل خروج القوات الأمريكية من سورية على الإيرانيين إلحاق الأذى بإسرائيل، وعلّق نتنياهو على إثر الانسحاب بأن بلاده ستدافع عن نفسها ضد إيران بغض النظر عما يفعله الأميركيون.
قوات سورية الديمقراطية (قسد) هي ثاني أكثر المتضررين بعد خروج القوات الأمريكية، حيث توقف الدعم القادم من الأمريكان مع قرب الحرب بينهم وبين الأتراك الذين يتوعدون لهم يوماً بعد يوم، مما يعني قرب الحرب الذي سيطلقها أردوغان ضدهم.
لم يكن الوجود الأمريكي في سورية أكثر من أنه رادعاً ومراقباً للتحركات، حيث لم يزد عدد الجنود الأمريكيين في سورية عن 2500 جندي فقط، وقد قالت صحيفة “واشنطن بوست” بأن ترامب بعد هذا القرار الخطير الذي أصدره سينهي مهمة منخفضة التكلفة عالية التأثير، ويخلق فراغاً يمكن أن تملأه جبهات متطرفة فاعلة في المنطقة.
في المقابل ورغم انزعاج الغالبية من هذا القرار، تبدو روسيا هي المستفيد الأول، فبذلك تبقى قوات الكرملين في بلاد الشام، وتبقى روسيا هي المتحكم الأول والأخير بمصير سورية وهي الحاكم الحقيقي والمسيّرة لأمورها.
وقد رحب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فوراً بالقرار الأمريكي، واعتبرها “خطوة صحيحة” مستدركاً بأنه لم يلحظ مؤشرات على الأرض لانسحاب القوات الأمريكية.
ومع معارضة عدد كبير من أعضاء الكونغرس والنواب الجمهوريين للقرار وتفاجئهم منه، قام ترامب بنشر سلسلة تغريدات يقول بها بأن قراره لم يكن مفاجئاً حيث أنه يطالب به منذ سنوات، مؤكداً بأنه لا يريد لبلاده بأن تكون حارساً للشرق الأوسط الذي لا يقدّر أفعالهم!!
وكان تعليق بعض النواب الجمهوريين على ذلك بأنهم لم يتبلغوا بقرار الانسحاب مسبقاً، وأن تداعيات هذا الانسحاب ستتيح المجال لروسيا وإيران أن يمكّنا قبضتهما من سورية. في حين يرى بعض المسؤولين الأميركيين بأن هذا القرار سيسهم بتحسين العلاقة المتدهورة ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا والتي كان سبب تدهورها الخلاف بشأن سورية.
ليس غريباً على الرئيس الأمريكي قراراته، فهو أولاً وأخيراً لا يفكر إلا بمصالحه وبشكل علني، وهذا ما يجعله يخرج بتصريحاته الوقحة للإعلام دونما أي اهتمام بعلاقاته وحتى ردة فعل الرأي العام تجاهه، وهذا ما سيجعله موضع شك في نظر الشعب الأمريكي.
لا شأن للأسد في هذه اللعبة، فهو لم يعد أحد أطرافها بل هو جزء مرتبط بأحد هذه الأطراف لا يسعه إلا بأن ينفّذ ما يأمره به الروس، فهو أحد جنود الروس المتحكمين في السلطة الكاملة لسورية.
لاشك بأن الانسحاب الأمريكي سيشكل خطراً قادماً وذلك يعتمد على الذي سيملئ الفراغ من بعدهم، فقد خلا الملعب للروس والإيرانيون الذين يشرعون في مد سيطرتهم أكثر وأكثر على الشام، خاصة بعد ابتعاد العين المراقبة والراصدة لهم.
وإن كان للانسحاب الأمريكي أثر خطير بالنسبة لسورية فإن لهذا الانسحاب أثر أيضاً تجاه الإدارة الأمريكية، فهل سيقتنع الشعب الأمريكي بأن انسحاب القوات جاء بعد نجاحهم بالمهمة الموكلة إليهم !! خاصة وأنهم لم يروا تحقيقاً للأهداف الأمريكية، إضافة بأن تنظيم “داعش” لا يزال موجوداً داخل سورية!
إن الانسحاب الأمريكي هو أول بوادر عدم التدخل فيما يجري على الأرض السورية، مما يعني صمت الولايات المتحدة عن جرائم الأسد والروس، بل وإعادة النظر في شرعية الأسد والموافقة على بقاءه رئيساً لسورية!!
تبيّن تصريحات الرئيس الأمريكي منذ استلامه السلطة مدى اهتمامه بالدرجة الأولى بنفوذ إسرائيل وأمنها ومصالحها، حتى قبل شعبه ومصالحه وقراره الأخير بالإنسحاب من سورية يأتي ضمن هذا السياق دون النظر إلى مصالح الدول الأخرى القريبة أو البعيدة!!..