اليوم يعج العالم الإسلامي بالحياة والحركة، وتفيض جنباته بمعارك التحرر والتطور والإصلاح، حتى غدا في الميدان الدولي محور النشاط السياسي، ومثار خصومات الجشعين الحريصين على استغلال ثرواته.
وبذلك يكون الإسلام اليوم في محنة تؤدي إلى نعمة، وحاضر ثائر يبشر بمستقبل زاهر.
وإذا نظرنا إلى الأمر من وجهة أخرى، نرى الإسلام يعيش في محنة من داخله أكثر من أن تكون من خارجه، ومن بعض أبنائه أكثر من جموع أعدائه، ومن فريق من دعاته أكثر من المتربّصين به.
ذلك أن بعض الذين وصلوا في غفلة من أمتهم إلى تقلد الأمور في بعض الشعوب العربية والإسلامية يقفون من حركات التحرر والانبعاث في شعوبهم موقف العداء والكيد، ويتآمرون مع أعداء أمتهم على كل ما يزيد من القيود في رقاب شعوبهم، ويبيعون بلادهم بيع الوكلاء اللصوص، دون أن تكون في قلوبهم خشية من الله تمنعهم من عصيانه، أو تكون لهم ضمائر تخجل من شعوبهم في حياتهم، وتحذر من لعنة التاريخ وعذاب الله بعد هلاكهم.
وبعض الذين يزعمون الدعوة إلى الله، قد ابتلي منهم الإسلام بأطفال أغرار قصار النظر، صرعى الشهوات، يخدعهم عن صدق الجوهر كاذب المظهر، وينحرف بهم عن تفهم حقيقة المعركة حقد شخصي دفين، أو هوى قاتل، أو مغنم حرموا منه، ظانين أن الله لا يعلم المفسد من المصلح، والله يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور.
ولولا ما اتصفوا به مما ذكرنا من بعض خلائقهم، لما استجازوا أن يحاربوا الذين يعملون على تحرير العرب والمسلمين من إسار الاستعمار وأخطار الصهيونية، وهوان الضعف والاحتقار، حتى يملكوا القوة، ويطردوا المستعمر، ويقطعوا على اللص طريقه، ويكشفوا للعالم جرائمه.
لقد استجازوا باسم الإسلام أن ينضووا تحت لواء الخونة والفسقة والفجرة الذين يبدلون أحكام شريعة الله بجرأة لم يبلغها أعداء الله المستعمرون، ويستَعْدون الجيوش الأجنبية على بلادهم وأمتهم لاحتلالها وإذلالها لتساند عروشهم، وتثبت أركان جرائمهم ووجودهم، ويفاخرون بارتباطهم مع الأجنبي الغازي، ويعلنون عن تبعيّتهم وولائهم له، ويمدّون إليه أيديهم القذرة في هوان، ويستجدون “الهِبات” و”الإعانات” لينفقوها على لياليهم الحمراء، وأتباعهم النذلاء، وأنصارهم من أولئك الحمقى الخبثاء.
يقفون من وراء الخونة والفجرة من رؤساء المسلمين ومسؤوليهم، يدعون لهم بالنصر، ويكيلون لهم المديح.
هؤلاء كاذبون في دعواهم حب الإسلام والعمل لمصلحته، ذلك لأن الله نهى عن موالاة الأعداء والركون إليهم، واعتبر المسلمين الذين يوالونهم محشورين في زمرتهم: (ومَن يتولّهم منكم فإنه منهم).
هم بعيدون عن التقوى ولو تظاهروا بالصلاح وتشدقوا بحب الإسلام. أفليست محنة الإسلام بهؤلاء أشد من محنته بأعدائه الظاهرين والصهاينة والمستعمرين؟!.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون!.
——————————————————-
[مختصراً من افتتاحية مجلة حضارة الإسلام، العدد الثامن: شعبان 1380هـ = شباط 1961م. بقلم: الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله]