على أنقاض حلب المدمرة قامت أستانة. كانت أستانة واحد في 2017..
وحققت “أستانة” حتى الآن للروس وللإيرانيين، كلّ ما يطمحون إليه، بل ربما أكثر مما يطمحون إليه. ولم تكن أستانة كذلك بالنسبة لبشار الأسد فهي لم تحقق له كل ما يريد، وربما حالت بينه وبين بعض ما يريد، ولكن ذلك لم يكن في مصلحة الشعب السوري، وإنما في سياق مصالح قوم آخرين. وأبسط ما في حلقات “أستانة” من إثم أنها سقت السوريين خروع “خفض التصعيد” على أنها شراب سائغ. ووفّرت على الروس والإيرانيين كلفة مواجهة المناطق المحررة دفعة واحدة، الكلفة العسكرية الميدانية، والكلفة الإنسانية الأخلاقية، نظّمت عمليات السيطرة على المناطق السورية المحررة، حسب قاعدة كيسنجر خطوة.. خطوة.. فلم يتبقّ من المناطق الأربع المعتمدة اليوم غير إدلب!! وأيّ طالب في المدرسة الإعدادية، تعلم رسم المنحنيات البيانية من جديد، تطلب منه أن يرسم المنحنى البياني لحركة الثورة السورية منذ أستانا الأولى، سيرسم لك خطاً منكسرا، بل صورة لجلمود صخر حطّه السيل من عل، كما يقول امرؤ القيس.
بعد أستانة لم يقم لثورة السوريين قائمة. ودخلت الثورة في مرحلة الانحسار والتلاشي.
يقولون إنّ ممّا تبحثه أستانا اليوم هو ملف “إدلب” أي ملف آخر منطقة من مناطق خفض التصعيد. الإدارة الأمريكية الجديدة أعطت الضوء الأخضر أنها تفضل التعامل مع حكومة في دمشق تسيطر على كل الأرض السورية. وهي إشارة مزدوجة تعني إدلب، وتعني موضع قدمي الراعي الأمريكي، وقد يكون إطلاق سراح صحفي أمريكي مختطف ثمناً لصفقة أمريكية – أسدية مناسبة. ومع ذلك فممّا نظنّ أن بشار الأسد وداعميه، مشغولون الآن بالانتخابات التي باتت أكثر من قريبة، ولقمة بحجم إدلب، تحتاج منهم إلى تؤدة أكبر.. وبشار الرئيس المجدد له، المكتسب لشرعية وهمية من انتخابات صورية، سيكون أكثر تأهلاً للتعامل مع ملف إدلب، وملف شمال شرق. يومها ستستمعون إلى متحدثين باسم المعارضة الرسمية أو الشكلية أو الصورية مثل انتخابات بشار الأسد، يلقون محاضرات عن ضرورة التحلي بالواقعية السياسية,,!! وكذلك يفعلون.
ويزعمون أنّ أستانا خمسة عشر ستعالج ملف الدستور. المسار الذي هزله هزل، وجدّه هزل، والتقدم فيه مثل النوم عليه، وربما سيكون الدستور “الروسي” جاهزاً في اللحظة المناسبة، ليسدّ الفراغ، والدستور الروسي سيجرد السوريين من آخر ما نسيته دساتير حافظ وبشار الأسد من التعبير عن هويتهم أو عن ذاتيتهم. والدستور الروسي سيكون ضامناً لما توعد به لافروف يوماً “الحيلولة بين أهل السنة وبين حكم سورية ” ويومئذ يفرح المتربصون..
ويزعمون أيضاً أن أستانا خمسة عشر ستعالج ملف المعتقلين، وهذا البند هو البهار الذي يرشّ على مخلوطة كل جولة ومن جولات أستانا.. والعجيب في الأمر أنّ هناك سوريين حقيقيين من “لحم ودم” يشاركون في لقاءات أستانا ومن الفريقين. وكان العامة في سورية قد نحتوا اسماً للحاضر الذي لا يحلّ ولا يربط فسموه كما تعلمون..
بعض الناس يظنّ أنّنا عندما نقوّم أستانا نقوّم الدور التركي في سورية، وهذا خطأ مبين!! الدولة التركية دولة ذات سيادة تمتلك أولوياتها ومصالحها وإمكاناتها؛ وعلينا أن نحترم كل ذلك. والرئيس طيب رجب أردوغان حفظه الله لم يكن قد خلّفنا ونسينا. عندما نقوّم أستانا نقومها كمحفل دولي، يشتغل على القضية السورية، ومن تولى أمر القضية السورية في غفلتهم ساهون أو لاهون أو يلعبون أو على كراع يتنافسون..
قضيتنا ونحن أولى بها، وأقدر عليها، وأعلم بما ينفعنا وما يضرنا فيها ومنها وإنا لله وإنا إليه راجعون…