عندما نذكر الإمام جعفراً الصادق أو أباه محمداً الباقر… تتبادر إلى أذهاننا كثير من الضلالات التي ألحقها الرافضة بأئمة آل البيت. أفلا يجدر بنا أن نجلّي الحقائق ونعلم حقيقة هؤلاء الأئمة؟!.
فهذه ترجمة موجزة لهذا الإمام:
إنه أبو عبد الله / جعفر بن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
وأمه (أي زوج محمد الباقر) هي أم فروة / فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق.
ومن هذه النقطة ندرك أن ما يشاع عن عداوة آل البيت لأبي بكر وعمر… رضي الله عنهم، إنما هو محض تزوير.
فهذا الإمام ينتهي نسبه من جهة أبيه إلى الإمام علي بن أبي طالب، ومن جهة أمه إلى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق.
ومسألة التواصل والتوادد والمصاهرة بين آل البيت وأبي بكر وعمر وعائشة، رضي الله عنهم، عليها شواهد كثيرة، فعلي بن أبي طالب رضي الله عنه سمّى أحد أولاده أبا بكر، وكذلك فعل ابنه الحسن بن علي، وعلي زين العابدين وموسى الكاظم وعلي الرضا: كلهم سمَّوا أولادهم على اسم أبي بكر الصديق. فهل كانوا يجافون أبا بكر أم يحبّونه؟!.
وكذلك فإن كلاً من علي بن أبي طالب وابنيه الحسن والحسين وعلي زين العابدين وموسى الكاظم… سمَّوا أبناءهم باسم “عمر”. أفلم يكونوا يحبّون عمر؟!.
وإن علي بن أبي طالب وابنه عقيلاً سمّيا أولادهما باسم “عثمان”: عثمان بن علي وعثمان بن عقيل، حبّاً منهما لعثمان. رضي الله عنهم أجمعين.
وإن عدداً من إناث آل البيت، رضي الله عنهن، حملن اسم أم المؤمنين عائشة: عائشة بنت جعفر الصادق، وعائشة بنت موسى الكاظم، وعائشة بنت جعفر بن موسى الكاظم، وعائشة بنت علي الهادي، يتبرّكون باسم أم المؤمنين عائشة الصدّيقة بنت الصدّيق.
ولقد وُلد الإمام جعفر سنة 80هـ، وهي السنة التي ولد فيها الإمام أبو حنيفة النعمان، وتوفي سنة 148هـ، أي قبل وفاة أبي حنيفة بسنتين. فكيف كانت علاقة الإمام جعفر بأبي حنيفة، وبالإمام مالك بن أنس الذي عاصرهما كذلك (93-179هـ) وأئمة آخرين أعلام كسفيان الثوري وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد الأنصاري وابن شهاب الزهري؟. لقد تتلمذوا عليه جميعاً، رحمهم الله وجمعنا بهم في جنات النعيم.
يقول الإمام مالك: جعفر بن محمد اختلفتُ إليه زماناً [تردّدتُ إليه] فما كنتُ أراه إلى على إحدى ثلاث خصال: إما مصلّياً، وإما صائماً، وإما يقرأ القرآن.
ويقول الإمام أبو حنيفة: ما رأيتُ أفقه من جعفر بن محمد.
ويقول الشيخ محمد أبو زهرة: “إن للإمام الصادق فضل السبق، وله على الأكابر فضل خاص. فقد كان أبو حنيفة يروي عنه ويراه أعلم الناس باختلاف الناس وأوسع الفقهاء إحاطة، وكان الإمام مالك يختلف إليه دارساً وراوياً…”.
وقد روى مالك (في الموطّأ) اثني عشر حديثاً لجعفر الصادق.
بقي أن نذكر في هذه العجالة بعض ما امتاز به هذا الإمام:
– كان معروفاً بمكارم الأخلاق، من سماحة وكرم وشجاعة وبشاشة وطيب القول وصدق المعاملة.
– وكان لا يخشى في الله لومة لائم. كتب إليه الخليفة أبو جعفر المنصور: لمَ لا تغشانا [تحضُر مجالسنا]؟. فأجابه: ليس لنا ما نخافك من أجله، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له، ولا أنت في نعمة فنهنِّيك، ولا نراها نقمةً فنعزّيك بها.
– من مأثور قوله: “إذا سمعتم من مسلم كلمةً فاحملوها على أحسن ما تجدون، فإن لم تجدوا لها محملاً فلوموا أنفسكم”. وقوله: “يُجبَل المؤمن على كل طبيعة إلا الخيانة والكذب”.
وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن سار على دربهم واهتدى بهديهم إلى يوم الدين.