الإخوان المسلمون في سورية

العودة إلى التربية القرآنية.. الترف وآثاره المدمرة

د. محمد العبدة

 

 

جاء ذكر الترف والمترفين في ثمانية مواضع في القرآن الكريم، كلها تشنع على هذه الظاهرة أو على هذا المرض الاجتماعي الذي تقع فيه فئة من الناس، حين يعيشون حالة من الرفاهية التي تجعلهم يصدون عن أي دعوة إصلاحية تريد خير الإنسان، إنهم يفضلون بقاء الوضع السياسي الذي يناسبهم مهما كان ظالماً أو فاسداً ويتحالفون مع الفئة السياسية التي تحقق لهم أغراضهم قال تعالى: (وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إن وجدنا آبائنا على أمة وإنّا على آثارهم مقتدون) الزخرف (23).

 

وقال تعالى واصفاً حالهم (فلما أحسو بأسنا إذا هم منها يركضون، لا تركضوا وارجعوا إلى ما أُترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون) الانبياء (13).

 

وإذا كانت الآيات تتحدث في الغالب عن المشركين الذين بطروا معيشتهم وأُترفوا في الحياة الدنيا ولكن هذه الظاهرة نجدها عند فئات أخرى من الناس وقد يصاب بها بعض المسلمين الذين يحرصون أشد الحرص على الرفاهية الزائدة، فهذا صنف من الناس يجد المتعة في الاقتناء (لمجرد الاقتناء) في الأشياء الثمينة بل يشترون أي بضاعة باهظة الثمن ليرصدوا الإعجاب في أعين أصدقائهم ومن حولهم، إنهم بذلك يجمدون دورة المال الذي يجب أن ينتفع به أكثر الناس.

 

المترفون تدفعهم ثروتهم للعيش في نمط مختلف من الحياة، نمط له طبائعه ولغته وطرائقه الخاصة لإضفاء بعض الفضائل على المال وبذلك يندرج المترف مع (علية القوم) ويحسب على طبقتهم.

 

يعيش المترفون حياة تافهة، يريدون قضاء الوقت بأي شكل من الأشكال وينصرفون عن الأعمال المنتجة لأنها تتطلب من صاحبها جهداً شخصياً وحرماناً من الشهوات، فالترف يجفف ينابيع البطولة والسخاء وتتحول عند المترف قيم الشجاعة إلى قيم البذخ ويحل حب السهولة عنده محل حبه للأخطار والمغامرة، وكل الكمالات الزائدة تصبح ضرورية، ويتوهم أنه لو تخلى عنها فسوف يحل به الموت الزؤام، والأمن عنده ليس الأمن الاجتماعي، بل أمنه الخاص، أما الوطن فلا أهمية له، إنه لقيط لا ينتمي إلا لنفسه ومعبوده المقدس الرفاهية.

 

تحتوي شبكة المعلومات (الانترنت) على لعبة تسمح باحتساب عدد القرون التي يتوجب على فرد محدود الدخل أن يعيشها ليصل إلى مستوى سنة واحدة عاشها أحد الأفراد الأكثر ثراء ورفاهية .

هناك فرق بين الرفاهية واليسر، اليسر المقبول ربما يوفر ظروفاً ملائمة تسمح للإنسان أن يبني نفسه باطمئنان دون أن يبدد قواه، بناء يمنحه القوة والحماية ويضاعف إمكاناته ويعطيه القدرة على التخلص من العوامل الخارجية الضاغطة عليه. الاسلام لا يطلب أن يكون الناس متساوون في تملك المال أو الأشياء، فهذا أمر غير طبيعي لتفاوت الناس في العمل والذكاء ولحكمة الله سبحانه وتعالى في تقدير الرزق، ولكن الإسلام يحارب الترف والسفه وإنفاق الأموال الطائلة على التنعم في الحياة الدنيا، وأن من أسباب ضعف المسلمين ذهاب الأموال على الترف، فقد جاء في كتاب (مروج الذهب) للمسعودي أن عضد الدولة البويهي أنفق على بستان له خمسة آلاف ألف (خمسة ملايين ) درهم، وعندما خطب الخليفة العباسي المعتضد بالله (قطر الندى) ابنة خمارويه بن أحمد بن طولون حاكم مصر، تفنن خمارويه في تجهيزها وأنفق خزائن الدولة حتى تضعضعت حالة مصر المالية!!

 

إن من يشاهد حياً من أحياء المترفين وينظر إلى طريقة حياتهم فسوف يدرك لماذا شنع القرآن الكريم على الترف والمترفين، وذلك لأنه أول مظاهر الفساد في الأمة.

 

وإذا كان الفقر المدقع يضعف الشعب فكذلك الثراء، وأن من السنن التي تنطبق على جميع العصور أن الثراء الذي يوجد المدنية هو الذي ينذر بانحلالها وسقوطها وأن السكوت عن المترفين أو مطاوعتهم في أهوائهم هي خطوة إلى الهاوية (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها، ففسقوا فيها فحق عليه القول فدمرناها تدميراً) الإسراء (16).

 

وفي قراءة (أمِّرنا )، ومن معانيها: كثرّنا.

 

موقع المسلم

إخوان سورية

7 comments