د. علي العتوم
(عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ أصبحَ منكم اليومَ صائماً؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه، أنا، فقال: من أطعمَ منكم اليومَ مسكيناً؟ فقال أبو بكر: أنا، قال: مَنْ تَبِعَ منكم اليومَ جنازةً؟ قال أبو بكر: أنا، فقال: مَنْ عادَ منكمُ اليومَ مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما اجتمعَتْ هذه الخِصال قَطُّ في رجلٍ إلاّ دَخَلَ الجنَّةَ).
رواه ابن خزيمة في صحيحه.
تعليقات:
- التعريف:
أبو بكر أوّل خليفةٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأوّل مَنْ آمَنَ به من الرجال، وأكثرُ الصحابةِ تصديقاً به، وأنّه ما سبقَ الصحابة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم إلاّ بشيءٍ وَقَرَ في قلبه وهو عِظَمُ الإيمانِ. ولقد قامَ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعمالٍ عظيمة لا يكاد يقوم بها إلا رسول من حرب المرتدِّين وحرب الروم وجمع القرآن بين دفَّتَيْ كتابٍ، وهو صِهْرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببنته عائشة أمِّ المؤمنين رضي الله عنها. وقد دامتْ خلافَتُه سنتين وبضعة أشهر. ومن مزاياه رضي الله عنه أنّه لم تثبُت في القرآن صحبةُ أحدٍ من الصحابة لرسول الله، إلاّ له، وذلك في قوله تعالى: “ثانِيَ اثنينِ إذْ هما في الغار، إذْ يقولُ لصاحبه: لا تَحْزَنْ إنَّ اللهَ مَعَنا”.
- المعاني:
أصبح صائماً: صيام نفل، كالاثنين والخميس، أو ثلاثة أيام من كُلِّ شهر أو الأيّام البِيض أو يوم عاشوراء أو الأيّام التسعة من شهر ذي الحِجّة. مسكيناً: محتاجاً، ليسَ عنده ما يكفيه من قوتِ يومه. اتَّبَع جنازة: شيَّعَ مَيِّتاً إلى مثواه. عادَ: زارَ ومنه العِيادة والعيد.
- ما يستفاد من الحديث:
أ- من أساليب التربية الناجحة أنْ يُتابِعَ المعلِّمُ تلامذتَه في أعمالهم اليومية، تعزيزاً للقِيام بالمهمة، أو تنبيهاً على التقصير بالواجب، كشأن الرسول كما في هذا الحديث. وهي هنا متابعة بناء وتشجيع، ومساءَلَةُ مكافئةٍ وتجزيةٍ.
ب- السؤال عن القيام بالنوافل دالٌّ على أوضاع أصحابها في الفرائض. فَمَنْ قامَ الليلَ كانَ قيامه لصلاة الفريضة تامَّةً، ومن صامَ الاثنين والخميس مثلاً، كان ملتزماً بصيام رمضان بشكل أكمل وهكذا… ولا شكَّ أنَّ القيامَ بالنوافل مما يُقرِّبُ العَبْدَ من ربِّه.
ج- الناسُ عند اللهِ درجاتٌ. فأعظمهم درجةً الأنبياءُ والمرسلون، ثُمَّ حواريُّوهم، ثُمَّ التابعونَ وتابعوهم وهكذا. وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظمَ الأنبياء والمرسلين، فأبو بكرٍ أعظمُ الصحابة والحواريِّين إيماناً وأعلاهم منزلةً، كما دلَّ الحديث بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلّم له، إذ ما عليه – كما قال له يوماً – أنْ يدخلَ من كُلِّ أبواب الجنّة الثمانية لسبقْه بأعمال النافِلَة.
د- لمثل هذه النوافل أُجورُها العظيمة والتي تؤدِّي بصاحبها إلى منازل عليَّة. فمن صامَ يوماً نفْلاً، يقصدُ به وجه الله في يومِ حَرٍّ دفع اللهُ عنه حرَّ جهنَّم سبعينَ خريفاً، والتصدُّق على المساكين يدفع عن صاحبه النِّقَم والعِلَل، ومن صلّى على جنازةٍ فلهُ قيراطٌ من الأجور، ومن رافَقَها حتّى تُدْفَن فله قيراط. وكُلُّ قيراطٍ بوزن جبل أُحُد من الأُجور، ومَنْ عادَ مريضاً شَيَّعه سبعونَ ألفَ ملكٍ في ذهابه ومثلهم في إيابه وفي حديث: (ناداهُ منادٍ من السماء أنْ طِبْتَ وطابَ ممشاك وتبوأْتَ من الجنَّةِ نُزُلاً).
ه- ليس في سؤال الأمير إخوانَه في الله، غضاضةٌ عن أعمال نوافلهم من صيام وقيام وقراءة قرآن وصلاة ضحى وقراءة أدعية وأذكارٌ إلى غير ذلك.