الإخوان المسلمون في سورية

حث الدعاة على مضاعفة العمل للإسلام..المحفزات إلى العمل الدعوي (2)

د. محمد أبو صعيليك

 

* التذكير بالآراء الشرعية من وجوب الدعوة:

 

إن من المقرر في دين الله تعالى، أن الدعوة إلى الله تعالى فرض لا تبرأ ذمة مسلم إلا بالإتيان به، فالله سبحانه وتعالى يقول: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر)، ويقول: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون).. إلى غير ذلك من الآيات القرآنية التي تأمر بالقيام بالدعوة إلى الله.

 

كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة تأمر بالقيام بهذه الوظيفة فمن ذلك حديث السفينة: “مثل القائم على حدود الله والواقع فيها؛ كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقَوا من الماء مرّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً، ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً”.

 

إن هذا الحديث ليدفع في صدور الكسالى من الدعاة، ويقول لهم إن أي قصور في الدعوة إلى الله تعالى وتكاسل في تبليغها؛ هو مؤدٍّ إلى غرق المجتمع بكامله، وهلاك الأمة بكاملها، فهل يرضى هو أن يكون سبباً في هلاك غيره، وفي غرق سواه؟

 

3- ملاحظة سيرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:

 

إن الناظر في سيرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يجد أنهم ما تركوا الدعوة إلى الله تعالى لحظة، مع ما أصابهم من محن، وما وضع في طريقهم من عقبات، وما حاكه لهم الأعداء من مكائد، وما وقفت في وجوههم من التحديات، وإليك بعض المواقف التالية الدالة عن المراد:

 

1- يذكر ابن إسحاق في سيرته أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني عبد الأشهل، كان شهد أحداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: شهدت أحداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأخ لي، فرجعنا جريحين، فلما أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج في طلب العدو، قلت لأخي أو قال لي: أتفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والله ما لنا من دابة نركبها، وما منا إلا جريح يقتل. فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت أيسر جرحاً، فكان إذا غلب حملته عقبة، ومشى عقبة، حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون.

 

2- وعن عروة قال: سألت ابن العاص رضي الله عنه فقلت: أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في حجر الكعبة، وإذا أقبل عليه عقبة بن معيط، فوضع ثوبه على عنقه، فخنقه خنقاً شديداً، فاقبل أبو بكر رضي الله عنه حتى أخذ بمكمنه، ودفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم.

 

3- يذكر أهل السير أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر يوم أحد قاعداً من الجراح التي أصابته، وصلى المسلمون خلفه قعوداً.

 

4- ويقول حذيفة: يا ابن أخي! لقد صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق، وصلى رسول الله هوياً من الليل، ثم التفت إلينا وقال: من رجل ينظر لنا فعل القوم ثم يرجع يشرط له رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجعة، أسأل الله تعالى أن يكون رفيقي في الجنة، فما قام رجل من القوم من شدة الخوف، وشدة الجوع، وشدة البرد، فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني، فقال: يا حذيفة، اذهب فادخل في القوم، فانظر ماذا يصنعون، ولا تحدثن شيئاً حتى تأتينا، قال: فذهبت فدخلت في القوم، والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل، ولا تقر لهم قدراً ولا ناراً ولا بناءً، فقام أبو سفيان، فقال: يا معشر قريش، لينظر أمرؤ مَن جليسه. قال حذيفة: فأخذت الرجل الذي كان إلى جنبي، فقلت من أنت؟ فقال فلان بن فلان، ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف، وأخلفتنا بنو قريضة، وبلغنا منهم الذين نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون، والله ما تطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستحسن لنا بناء، فارتحلوا فإني مرتحل. ثم قام إلى جمله وهو معتدل، فجلس عليه، ثم ضربه، فوثب به على ثلاث، فوالله ما أطلقت عقاله إلا وهو قائم، ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي أن لا تحدث شيئاً حتى تأتيني ثم شئت لقتلته بسهم.

 

هذا غيض من فيض من هدي الصحابة في حرصهم على القيام بواجباتهم في أحلك الظروف، وأشد الأحوال، فلم تمنع الجراح أحدهم من الخروج للقتال، ولم يمنع الخوف والبرد والجوع أحدهم من القيام بالمهمة الملقاة على عاتقه، ولا منعهم المرض من القيام بالواجب، ولا كان كبر السن أو العرج عذراً للتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا حال ذلك الجيل القرآني الفريد، أفلا يكون حال الدعاة إلى الله تعالى، الذين يرغبون في تجديد حياة المسلمين بالإسلام؛ كحال هؤلاء؟ ألا يكون حال الدعاة قريباً من حال هؤلاء، ليتذكر كل منا هذه المواقف العظيمة وأمثالها، وليعمل على حمل نفسه على القيام بها، والامتثال لها، والإقبال على الدعوة بكل همة ونشاط؟

إخوان سورية

أضف تعليقاً