د. محمد أبو صعيليك
– المنافسة في الخير:
حث الله تعالى عباده على التنافس في الخير، والتسابق فيه، فقال: (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون).. وفي معنى التنافس يقول العلامة ابن جزي الكلبي رحمه الله: “التنافس في الشيء هو الرغبة فيه، والمغالاة في طلبه، والتزاحم عليه”.
ولما كان الحال بهذا الكيف، فإن المسلم مطالب بأن ينافس غيره على تحصيل الاعمال الصالحة، وعند النظر فإننا نجد أن الدعوة إلى الله تعالى هي أن ينافس المرء غيره على إيصال دعوة الخير إلى الناس، وتبليغهم ما فيه صلاح آخرتهم، وتحذيرهم مما فيه هلكتهم، والعمل على إنقاذهم مما يؤذيهم في الدنيا والآخرة.
ولا نشك أن الدعوة إلى الله تعالى فيها نجاة للمرء في دنياه وآخرته، وسلامة له من الهلاك.. فعلى الداعية إلى الله أن يحرص على منافسة غيره في إيصال الدعوة إلى الناس، وغيره إما أن يكونوا من أبناء دعوته، وفي هذا حفز له ولهم على العمل، وشحذ لهمتهم وهمته، وتقوية للعزام على المسير.
وإما أن يكونوا من غير جماعته، وفي فعله هذا دفع لهم فيه إغلاق لباب شر يعمل أولئك على إدخال الفساد من خلاله. وفي منافسته لهؤلاء حماية لغيره من الناس ومن شرور أهل الشر وفساد أهل الفساد، وإنقاذ للناس من الوقوع في الهلاك في الدنيا والآخرة، وحث لهم على ممارسته العمل الصالح في الحياة الدنيا.
فهل يشمر الدعاة الى الله تعالى عن ساعد الجد، ويشحذوا هممهم، ويقودوا عزائمهم، ويسعوا إلى المنافسة الشريفة في إيصال دعوة الخير إلى الناس، وحثهم عليها، وجمع كلمتهم عليها، وإيقافهم عن الهلكة في الدنيا والآخرة، والله المستعان.
وفي الحث على التنافس على الخير نجد المربين والدعاة ينصحون غيرهم بالتنافس على الخير.. فهذا الدكتور الشويخ يرحمه الله تعالى يوصى المسافر في قطار الدعوة هذا الأمر فيقول: أيها السالك إلى الله، والمسافر في القطار مع العاملين، عليك بالمنافسة في الخير، وسارع إلى المعروف، ولا تخشَ من ذلك، ولتعلم أن المنافسة المذمومة هي الحسد غير المشروع، والحسد عدو النعمة، فبه زوالها.
أما المنافسة المحمودة؛ فهي التي يطلق عليها أحياناً الحسد المشروع، لورودها عن النبي صلى الله عليه وسلم: “لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار”.
وهذا الحسد المشروع هو الذي يطلق عليه في الغالب (الغبطة) أو المنافسة المحمودة، وهي المبادرة إلى الكمال الذي تشاهده من غيرك، فتنافسه فيه حتى تلحقه أو تجاوزه، فهي من شرف النفس، وعلو الهمة، وكبر القدر، قال تعالى: “وفي ذلك فليتنافس المتنافسون”.. وأصلها من الشيء النفيس الذي تتعلق به النفوس طلباً ورغبة، فتنافس فيه كل من النفسين الأخرى، وربما فرحت لاشتراكها في هذا التنافس، كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنافسون في الخير، ويفرح بعضهم ببعض باشتراكهم فيه، بل يحض بعضهم بعضاً عليه مع تنافسهم فيه، وهي نوع من المسابقة، وقال تعالى: “فاستبقوا الخيرات”..
فيا أيها السالك.. إياك والاقتداء بالكسالى، والمثبطين والنظر إلى أصحاب الدنيا والمالكين، وشمّر عن ساعد الجد، واحزم أمرك، وتوكل على الله، وركضاً ركضاً إليه..
ولئن كان من الصعب اكتشاف بعض الصفات من المدعوين؛ فإن هذه الصفة تكاد تكون من أسهل الصفات التي يتم اكتشافها، نظراً لتميز صاحب هذه الصفة على الآخرين، فتجده أول الناس تطبيقاً لما يؤمر به، وأول الناس حضوراً لأمور الخير، وأول الناس عملاً بالنصيحة، وأحياناً يكون الواحد من هؤلاء بعشرة، إذا لم يكن بألف.