نعلم أن من أعظم الحسنات الإيمان باللّه تعالى واليوم الآخر… وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة… والتقرّب إلى الله تعالى بالنوافل من صلاة وصيام وذِكر…
لكننا نغفُل عن حسنات عظيمة، يمكن أن نسميها الحسنات الاجتماعية، وتدور حول جلب كل مصلحة لأخيك المسلم، ودفع كل مضرّة عنه ومفسدة، وتنفيس كربة تكاد تخنقه… والامتناع عن كل ما يفسد الروابط بين المسلمين: روابط الزوجية، أو روابط الجوار، أو روابط الأخوّة الإيمانية. فقد يكون أحدنا ممن يبدو عليهم الصلاح يحرص على الفروض وكثير من النوافل التي يؤديها بينه وبين ربه، لكنه يغفل عن الحسنات الاجتماعية، وقد يقع في أضدادها من غيبة ونميمة وهمز ولمز وسخرية وغش وأكل للمال الحرام… فيضيع عليه خيرٌ كثير، ويقع في الإثم والعدوان.
وحتى لا نطيل في كلام من عند أنفسنا فإننا نسوق بعض النصوص الشرعية التي تهدينا سواء السبيل. فالله تعالى يقول: ((وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)). {سورة المائدة: 2}. فهاهنا تعاون مأمورون به، يحتاج إلى تآلف القلوب بين المتعاونين، وتكاتف الجهود فيما بينهم… ونهيٌ عن التعاون على الإثم والعدوان.
وقد حضّ القرآن الكريم المؤمن على اقتحام العقبة ليكون من أصحاب الميمنة، وفي هذه العقبة: (إطعامٌ في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة). {سورة البلد: 14-16}.
وفي هدي النبي صلى الله عليه وسلم كثير من الأوامر والنواهي والتوجيهات التي يحصّل بها المؤمن تلك الحسنات الاجتماعية.
ولننظر إلى الصورة الوضيئة التي وصف بها النبي صلى الله عليه وسلم مجتمع المؤمنين: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”. رواه البخاري ومسلم.
ولننظر كيف نهى عن كل ما يضعف الروابط بين العباد. قال صلى الله عليه وسلم: “لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً. المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره”. رواه مسلم.
وعظّم من شأن قضاء حاجة المسلم، عندما تكون حاجته ديناراً يشتري به طعاماً لأولاده، أو تكون إرشاداً له في أمر لا يعرف الصواب فيه، أو تكون في إعانته في حمل متاع ثقيل، أو تكون في إنقاذه من ورطة ومَهلكة، وتنفيس كربة عنه، أو قضاء دَين عَجَزَ عن تسديده:
قال صلى الله عليه وسلم: “مَن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته”. رواه الشيخان.
وقال صلى الله عليه وسلم: “أحبّ الناس إلى الله أنفعهم للناس. وأحب الأعمال إلى الله سرور تُدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تطرد عنه جوعاً، أو تقضي عنه دَيناً”. السلسلة الصحيحة: ج2-906.
ويقول صلى الله عليه وسلم: “تبسّمُك في وجه أخيك صدقة، وأمرُك بالمعروف صدقة، ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وبصرُك للرجل الرديئ البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغُكَ مِن دَلْوِكَ في دَلْو أخيك لك صدقة”. أخرجه البخاري في الأدب المفرد، والترمذي وابن حبان.
وقد لا يكون بوسعك أن تقدّم الكثير من المال أو من الجهد، فيكون القليل الذي تقدّمه شيئاً عظيماً عند الله. واسمع حبيبك صلى الله عليه وسلم يقول: “سبقَ درهمٌ مئة ألف درهم”. قالوا: وكيف؟. قال: “كان لرجل درهمان تصدّق بأحدهما، ورجل انطلق إلى عُرض ماله فأخذ منها مئة ألف فتصدّق بها”. والحديث رواه أبو هريرة، وأخرجه أحمد والنسائي، واللفظ له. وهو حديث حسن.
فهذا الذي تصدّق بالدرهم تصدّق بنصف ماله، والآخر كان يملك ألوف الألوف فلم تصل صدقة المئة ألف منه إلى ثواب صدقة الأول.
نسأل الله أن يلهمنا فعل الخيرات وترك المنكرات، وإعانة الملهوفين، والعمل على تقريب القلوب، وجبر الخواطر.