أعرف في بلد واحد شيخين صوفيّين، من طريقة واحدة، ينتميان إلى شيخ واحد، ويزعم كل منهما أنه الوارث الشرعي لذلك الشيخ، وأن الآخر يدّعي ما ليس له.
ولكل واحد من هذين الشيخين تلاميذ ومريدون، يحبّون شيخهم ويتبرّكون به، ويَرَون الخير كله فيه وفي اتّباعه لأنه الوارث الكامل!. وحَدَثَ أن كلاً من الشيخين عزم على أداء فريضة الحج في عام واحد، واغتنمها المريدون لكل منهما فرصة نادرة ليصحَبُوا شيخهم في الرحلة المباركة. ولكن، مع الأسف، لم يرضَ أي من الشيخين أن يلتقي صاحبه في أي من مناسك الحج، فكانت خيمة الأول مثلاً، بعيدة عن خيمة الثاني، سواء في عرفات أو في منى… وعاد كل منهما بصحبة مريديه ولم يلتقيا!.
وفي بلد آخر كان ثمة شيخان سلفيان، ينتميان كذلك إلى شيخ واحد، ويزعم كل منهما أنه الذي يقتفي آثار ذلك الشيخ الواحد، وأن الآخر قد انحرف عن الطريق. وصار لكل منهما تلاميذه الذين يحبّونه ويتعصّبون له، وراح كل من الشيخين، ومن تلاميذهما كذلك، يجرّحون الآخر، ويشهّرون به في الدروس المسجدية، وفي بعض المطبوعات.
وفي أماكن كثيرة نرى دعاةً ينتمون إلى فصيل إسلامي دعوي أو سياسي أو خيري… وهم لا يتورّعون عن التجريح فيمن ينتمي إلى فصيل آخر إسلامي ينافسهم على الساحة، وقد يبلغ بهم الأمر أن يفتروا عليه أو أن يستعينوا عليه بأعداء الإسلام.
بل قد تجد في جماعة إسلامية واحدة كتلتين، يبذل أفراد كل منهما، من جهده ووقته ودينه (!) الشيء الكثير لتحقيق العلوّ والغلبة على الكتلة الأخرى.
* * *
وإذا نظرنا إلى هذا وهذا، أو ذاك وذاك، أو أولئك… وتجاوزنا نقاط التنازع والخصومة، لوجدناهم، ولا نزكي على الله أحداً، أهلَ صلاح وتقوى وحماسة لدين الله. فكلّهم صوّامون قوّامون، تالون لكتاب الله، معتزّون بسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ذاكرون الله تعالى قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم…
أين الخلل إذاً؟. إنها المفارقة بين القول والعمل، وإنه ضيق الصدر بمن يخالف في بعض الاجتهادات، وإنه التنازع على حب الرئاسة، وإنه التنافس على الدنيا، وإنها الغفلة عن الواقع الذي يعيشون فيه، حيث سهام العدو موجَّهة نحوهم جميعاً، وهم في غفلة وهم لا يشعرون، وكأنهم لم يقرؤوا قول ربنا سبحانه: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا). {سورة آل عمران: 102}. وقوله جل وعلا: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إنّ الله مع الصابرين). {سورة الأنفال: 46}. وقوله تعالى: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون عُلُوّاً في الأرض ولا فساداً. والعاقبة للمتقين). {سورة القصص: 83}.