بقلم: محمد عادل فارس
ننسُب معاصينا تارة إلى الشيطان، وتارة إلى النفس الأمارة بالسوء، وتارة إلى الدنيا وزينتها، وتارة إلى الهوى، وتارة إلى الشهوات. وكلها أمور متقاربة أو متلازمة، فقد خلق الله تعالى ابن آدم وجعل فيه دوافع شتى، تتفاوت في قوّتها بين إنسان وآخر، وبين فترة وأخرى، وهي دوافع مناسبة لحياة الإنسان، لكنها كثيراً ما تطغى وتتجاوز حدها. فدافع حب المال مثلاً دافع طبيعي لا تستقيم حياة الإنسان من دونه، فإذا طغى وجاوز حدّه جعل صاحبه يسعى لتحصيله من أي طريق كان، لا يبالي بحلال أو حرام، وما يحصّله قد يبخل في إنفاقه في الوجه الصحيح. وقل ذلك في الدوافع الأخرى، كالدافع الجنسي، ودافع حب الاستطلاع، ودافع حب الظهور.
وربْط هذه المعاصي، ما صغُر منها وما كبُر، بالنفس الأمارة بالسوء، وبحب الدنيا وبالهوى والشهوات واضح بيّن، والشيطان يؤزّ ويحرّض ويزيّن، حتى إن إبليس يوم عَمِلَ على إغواء أبينا آدم قال: (هل أدلُّك على شجرة الخُلد ومُلك لا يبلى؟). {سورة طه:120}. أي إنه حرّك فيه دافع حب البقاء!. وقال لهما: (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين). {سورة الأعراف:20}.
والله تعالى الذي خلق الإنسان هو أعلم بمَن خَلَق، فقد هيّأ له سبل الهداية في الفطرة التي فطره عليها، وأرسل له الرسل (لئلا يكون للناس على الله حجّة بعد الرسل)، وأرشده إلى ما يزكّي نفسه، ووضع أمامه أسباب الرغبة في الطاعة لمولاه، وأسباب الرهبة من معصيته، ثم فتح له أبواب المغفرة والتوبة كلما ضعُف أمام شهواته وأمام الشيطان الغَرور، وشرع له من العبادات ما يعينه على الحق والصواب والاستقامة من صلاة وصيام وقيام وصدقة وذِكر وتلاوة واعتكاف ومصاحبة للأخيار…
ويبقى قلب المؤمن بين الرجاء والخوف، وبين الضعف والإقبال على الله، وبين الغفلة واليقظة، وبين الفتور والنشاط…
ونلحظ في النصوص الشرعية ما يُعين المؤمن على الاستقامة والصلاح، والتحرر من مداخل الشيطان:
– وأول ذلك أن يلجأ إلى الله ويسأله الثبات على الإيمان، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر أن يقول: “يا مقلّب القلوب ثبّتْ قلبي على دينك”. رواه أحمد.
– ومن مداخل الشيطان إثارة العداوة بين المؤمنين، وبالتحريش وإساءة الظن والحقد… والله تعالى يقول: (يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن، إن بعض الظن إثم، ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً…). {سورة الحجرات: 12}. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلمه”. رواه البخاري ومسلم.
– ومن مداخله الحرص على الحياة وعلى المال لدرجة تصل إلى الجبن والبخل، وربنا سبحانه يقول: (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجّلاً). {سورة آل عمران: 145}. ويقول سبحانه: (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء، والله يعدكم مغفرةً منه وفضلاً). {سورة البقرة: 268}.
– ومن مداخله تزيين الباطل وابتداع البدع: (ولكن قستْ قلوبهم وزيّن لهم الشيطان ما كانوا يعملون).
{سورة الأنعام: 43}. ومن تزيين الباطل التزيّدُ بالعبادة على ما شرعه الله تعالى وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته، فلما أُخبِروا كأنهم تقالّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم وقد غُفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر؟!. قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: “أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟. أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني”. رواه البخاري ومسلم.
– ومن مداخله التثاقل عن الطاعة، والتسويف. فكلما جاء منادي الخير، من داخل النفس أو من جليس صالح، أنْ قُمْ بالطاعة الفلانية، وسوسَ الشيطان: تمهّل الآن، لعلك تفعل ذلك غداً، فإذا جاء الغد سوّف لك إلى الغد… وإذا أردتَ القيام إلى الصلاة وأنت في فراشك قال لك: “عليكَ ليل طويل فارقد”، كما جاء في الحديث المتفق عليه.
– وتتعدّد مداخله بحسب كل إنسان، فهو يوسوس للشاب بما يغريه بالمعاصي التي تناسب سنّه، ويوسوس للعابد، وللفقيه، وللتاجر، وللأمير… كل بما يناسب حاله. فلتكونوا على حذر منه. (إنّ الشيطان لكم عدوٌّ فاتّخذوه عدوّاً. إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير). {سورة فاطر 6}. ومَن أخلص العبودية لله فلا سبيل للشيطان عليه: (إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان). {سورة الحجر: 42}.
وقانا الله شرَّ شياطين الإنس والجن.