الإخوان المسلمون في سورية

ماذا يفعل الداعية وقت الملمات؟!

د. خالد رُوشه

 

في الأزمات يحتاج الناس إلى قلب ثابت، ونظر ثاقب، وتفكير حكيم، وجنان راسخ، وسلوك رشيد، كل ذلك ينتظره الناس من علمائهم ودعاتهم.

 

والناس دوماً بحاجة إلى ذاك الشجاع الصلب، فلكأنهم يبحثون عنه كلما مرت بهم صعوبة أو حلت بهم نازلة، يفتشون عنه في الوجوه، ويعرفونه في لفظات القول وخطوات السلوك ولمحات الأعين.

 

فهو المتفائل عندما يحيط اليأس بالناس، والمقدام بينما التراجع يكون عميماً، ورابط الجأش إذ الإحجام يكسو الخطى، وهو المتوكل على ربه بينما يتردد الناس، والمتصل بالإيمان بينما تضعف القلوب المحيطة ..

 

فتراه وكأنه مؤيد بقوة علوية قادرة، تؤيده بالبصيرة، وتؤهله لحمل التبعة، وتوجهه للقرار الصائب.

 

ثم هو يعرف دوره جيداً وقت الملمات والأزمات والمشكلات، أن يثبت الناس ويعيد الثقة إليهم، وأن تتمثل فيه معاني المنهج الذي يرعاه ويعلمه للناس.

 

إن أمتنا لتمر بأيام شاقة عليها ثقيلة في تاريخها، مؤلمة في أثرها، تحتاج مواقف علمائها ودعاتها وبصيرهم ورشدهم .

 

والمواقف التي نرجوها وندعو إليها العلماء والدعاة ليست مواقف تصادمية ولا تشنجية، بل مواقف تعليمية وتأثيرية في مجتمعنا المسلم لتصويب آدائه وتربية أبنائه وإعادة الوعي المفقود والفهم الإسلامي الغائب لأفراده في مختلف الميادين.

 

إن رؤية بعض العامة لداعية قد ارتضى بالراحة والعيش الهنىء الرغد والرفاهية وانكب على جمع المال والتكسب، وغفل عن آلام أمته ومصائبها ومشكلاتها ومعاناة إخوانه وأبناء عقيدته، فلم يعد يذكرها حتى في أحاديثه أو كتاباته أو خطاباته، ويكتفي بمجرد الحديث الوعظي ضعيف الأثر، ليترك أسوأ الآثار عليه وعلى غيره من الناس، إذ يجعله مناطاً للقياس على شأنه وشأن غيره.

 

وإن استشرى ذلك القياس على تلك الحالة فقد نجد أنفسنا أمام ماهو أكثر من ضياع معنى المسؤولية الشرعية والتاريخية لتلك الأمة، إن المأزق عندها سيصير على حافة هاوية ..

 

أكثر ما يجب على الدعاة أن يولونه اهتماماً في تلك الأيام التي تمر بها الأمة، أن يولوا اهتماماً بالعلاقة بربهم.

 

إذ إنها الدافع الأكبر في التثبيت وتسديد الأفعال والمباركة في القوة والقدرة وتوجيه الاختيار نحو الأصلح الذي قد يخفى على الناس.

 

وكأني أنظر إليه _صلى الله عليه وسلم_ وهو يدعو ربه ويجأر إليه بالدعاء ويلح ويبكي حتى يشفق عليه أبو بكر في ذلك قائلاً له: “يا رسول الله إن الله منجز وعدك”..

 

ولازال عمر بن الخطاب يخطب قائلاً: “إننا لا ننتصر بعدد ولا عدة وإنما هو التوكل على الله والثقة به فكونوا عندها ولا تترددوا “.

 

وفي فتح مصر لما تأخر عليهم الفتح أرسل إليهم أن “انظروا إلى ما خلفتم من ذنب بغير توبة فإنه هو مانعكم، وانظروا إلى ما تركتم من سنة بغير عمل فإنما أنتم ممنوعون بركتها”..

 

واجب الداعية أن يخرج نفسه من إطار الضغوط النفسية والاجتماعية، ولا يجعل نفسه فريسة سهلة لتلك المعوقات وأن يستل نفسه خارجها ليستطيع تحديد هدفه بوضوح والتركيز على طريقه.

 

إن قدرة القدوة على الاحتفاظ بطريقة هادئة ومتزنة وعاقلة وحكيمة وواقعية في أثناء الأزمة هي مثمنة عند أصحاب الفكر الرشيد وهي الوصف الأهم من صفات العالم العامل المؤثر.

 

إن الظروف الحاصلة للأمة الإسلامية قد تؤدي لفقدان التوازن في لحظة من اللحظات، وإذا كان من الصعب بمكان منع المصائب والآلام من الحدوث فإنه ليس أقل من أن يعتبر دعاتنا في برنامجهم العملي ما يمكننا أن نسميه “توقع الأزمة” وهي توقع لما يمكن أن يستحدث واقعياً في ظل الواقع المحيط والظروف المتوقعة.

 

كذلك ينبغي أن يسأل كل داعية نفسه عن قيمته الحقيقية، وعليه بكل تجرد أن يقيم آداء نفسه فيما مضى من عمره، وماذا أنجز وكم استطاع أن يؤثر في هداية قوم أو تعليمهم وكم استطاع تغيير نفوس أو تربيتها وماهو الأثر الإيجابي الصائب الذي تركه في مجتمعه، وماهي أوجه التقصير والخلل في أدائه .

 

إن العالم والداعية التقيّ الموفق ليوفقه الله _سبحانه وتعالى_ إلى السداد في الخطو، والتوفيق في الرأي، والحكمة في القرار، والشمولية في التصرف، والمرونة في الأداء، والثبات في الأمر كله بتقواه وتجرده وإخلاصه.

 

موقع المسلم

إخوان سورية

أضف تعليقاً