د. يوسف القرضاوي
من المعينات على الإخلاص: المجاهدة. ونعني بالمجاهدة توجيه الإرادة إلى جهاد النفس الأمارة بالسوء، ومقاومة رغباتها الذاتية والدنيوية، حتى تخلص لله تعالى.
ولا يستطيع أحد أن يسلك طريق القوم، وهو مستسلم لأهواء نفسه، وحبها للجاه والظهور، وطموحها إلى الشهرة والثناء، أو للثروة والمال، أو لغير ذلك من شهوات النفس وزخارف الدنيا. وإنما يسلك الطريق من اصطحب معه إرادة قوية، وتصميماً على المجاهدة، و”الإرادة” هي الأساس، و”المجاهدة” هي المحور.
وإن أخطر شيء على سالك الطريق هو اليأس من الانتصار في هذه المعركة، وإلقاء السلاح اعترافاً بالهزيمة النفسية، أو إقراراً بالعجز أو باستحال الوصول.
وقد كان بعض الحكماء يكره من أصحابه وتلاميذه كلمات ثلاثاً، هي: لا أقدر، لا أعرف، مستحيل. فأما من قال له: لا أقدر، فيقول له: حاول. وأما من قال له: لا أعرف، فيقول له: تعلم. وأما من قال له: مستحيل، فيقول له: جرب.
ولا شك أن في مجاهدة النفس صعوبة ومعاناة ومشقة، يجدها من يريد طريق الآخرة، وخصوصاً في أول الأمر، ولكن بالاجتهاد والمحاولة والتكرار والصبر، والاستعانة بالله تعالى؛ يسهل الصعب ويتيسر العسير.
وهذه سنة الله في خلقه: أن من جد وجد، ومن زرع حصد، ومن سار على الدرب وصل، وهذا وعد الله سبحانه لمن جاهد فيه: أن يهديه سبيله وينير له طريقه، كما قال تعالى: “وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ” (العنكبوت: 69).
وهذه الآية مكية، أي أنها نزلت قبل أن يشرع الجهاد بالمعنى العسكري، فهي أحق بأن تكون في ألوان الجهاد الأخرى، وفي مقدمتها: جهاد النفس، وهو أول مراتب الجهاد وأولاها.
وفي الحديث الشريف: “المجاهد من جاهد نفسه لله”، أو قال: “في الله عز وجل”.