الإخوان المسلمون في سورية

أمنُ الثورة.. الأمن والقرآن الكريم (1)

(تأصيل شرعيّ)

مفاهيم مغلوطة!..

يزعم بعض النـاس أنّ العمل الأمنيّ هو من الأعمال الغريبة عن نشاط الحركة الإسـلامية، ويتناقض مع توجّهاتها، وأهدافها، ومنطلقاتها! .. ويستنكرون أيّ نشاطٍ أمنيٍ تقوم به التنظيمات الإسلامية، أو المعنيّون من أفرادها!.. وقد تشكَّل مثل هذا الاقتناع عند هذا الصنف من الناس، نتيجة الخلفية النفسية تجاه العمل الأمنيّ في بعض الدول بشكل عـام، فالأمن أو “الأجهـزة الأمنية” في الدولة، ارتبط دوماً بواقعٍ وتاريخٍ مظلم، وَسَمَ جوانب كثيرةً من جوانب الحياة العامة لها!.. وتعبير “الأمن” أو “الجهاز الأمنيّ”، ارتبط في عالمنا بالقمع، والرعب، والسجن، والزنزانة، ومراقبة الناس، وكشف أستارهم، ومداهمة البيوت ..  كما ارتبط بالجلاّد، والسَّوْط والتعذيب، والدولاب، والضحيـة، ونزف الدماء، والظلم، والقهر!..

المسلم  وأمن الدولة

نعم، لقد ارتبط اسم “الأمـن” بكل المصطلحات القبيحـة المذكـورة آنفاً، في الوقت الذي يدلّ فيه هذا الاسم الراقي على: السكينة، والسلام، والاستقرار، والراحة المطلقـة، والرخاء، والعدل، والهدوء! .. وهذا الارتباط الشاذ هو واقع الحال في معظم دول العالم اليوم، وفي طليعتها دول ما يسمى بالعالم الثالث!.. فقد أُسِّست “الأجهزة الأمنية” في هذا العالم لحماية “نظام الحكم” بدلاً من  حماية “الشعب” أو “الوطن”، لاسيما في الدول التي تُقلَبُ فيها الكراسي بقوّة السّلاح، وبِهمّةِ جنرالات “النياشين” الزائفة!.. وتُفرَض فيها أنظمة الحياة الجائرة ومناهجها، بقوّة “الأجهزة الأمنية” العتيدة، التي تَعتبر  “الشعب” أو “المواطن” (منذ لحظة تأسيسها وإنشائها) الخصمَ الأول، والعدوَّ الذي لا يمكن الانتصار عليه إلا بمثل هذه الأجهزة القمعية!..
لقد  أرسى هذا الواقع المرير (الذي كان نتيجةً من نتائج إقصاء الإسلام وأخلاقه وتعاليمه عن الحكم).. أرسى دعائم أرضيةٍ نفسيةٍ مشوّهةٍ تجاه “الأمن” عند الإنسان المعاصر، وبخاصةٍ الإنسان المسلم، الذي تعدّه بعضُ الأنظمة الوضعية، العدوَّ رقم واحد، الذي يتوجب عليه أن يتلذّذ بطعم “الأمن” المرّ بشكلٍ دائم، وأن يشعرَ -رغم أنفه- بنعيم تلك الأجهزة الأمنية في أقبيتها المظلمة!..
إنّه الأمن الزائف، وإنها “الأجهزة أو الأنظمة الأمنية” الظالمة، التي مارست الظلم على “اسمها”، قبل أن تمارسه -بأبشع صورةٍ أخلاقيةٍ- على شعوبها المقهورة المنكوبة بها!..

الحركة الإسلامية والأمن: تصحيح المفاهيم المغلوطة

الحركة الإسلامية ما وُجدت أصلاً إلا لتحكيم منهج الله في جميـع نواحي الحياة، ولإخضاع كلّ جبارٍ لحكم الإسلام العظيم، ولتحقيق العبـودية لله الواحد القهار لا شريك له، ولتحرير الإنسانية من العبودية للأنظمـة الوضعية الظالمـة، التي كان “أمنها” و”أجهزتها الأمنية” المستبدّة، إحدى إفرازاتها الظالمة “النّتنة”، التي شوّهت خُلُق “الأمن”، قبل تشويهها لأجساد ضحايا التعذيب في أقبيتها السوداء!.. والمطلوب من ابن الحركة الإسلامية الحقيقي، أن يتحـرّر من تلك الخلفية النفسية التي زرعها الطغاة في عقله الباطن، بالواقع القهريّ الذي فرضوه، لأنّ “الأمن” في المفهوم الإسلاميّ هو: تحقيـق الاستقرار، والسّهر على راحة الناس، والمرابطة على الثغور، وترسيخ معاني السكينة والهدوء والراحة المطلقة للأفراد وللمجتمع.. فالأمـن في العقليـة الإسلامية هو “الأمن”، ولا شيء سواه، من غير تحريفٍ أو تزييف!..

أمن الثورة، والأصل الشرعيّ الأول: الأمن والقرآن الكريم

لقد كانت الثورة السورية المبارَكة منذ اندلاعها، وماتزال، بحاجةٍ ماسّةٍ للحماية الأمنية والتنظيمية الإدارية، التي تصون مؤسّساتها وأفرادها وقياداتها، وتحميهم من أعدائها،.. وما أكثر هؤلاء الأعداء، وما أشدّ بأسهم وإجرامهم، وما أسهل انفلاتهم..
*     *     *
القرآن الكريم، الذي هو كتاب الله العظيم، ودستور الإسلام القويم، يحتوي -فيما يحتويه- على أعظـم المعاني الأمنية، ولا نبالغ مطلقاً عندما نقول: إنّ كتـاب الله عزّ وجلّ، جاء بالكثير من أساسيات العمل الأمنيّ  ومفاهيمه ومفاتيحه، وقد أكّدت النصـوص القرآنية بشكلٍ لا يقبـل الاجتهاد أو طـول النظر والتفكير، أنَّ للعمل الأمنيّ أصلاً شرعياً من الأصول الإسلامية التي ينبغي للمسـلم أن يأخذَ بها، ويستفيد منها، ويُنفّذ روحها وتعاليمها، ومن أراد الدليل أو المزيد، فما عليـه إلا أن يستعـرض كتاب الله عزّ وجلّ، ويتلـوه “بعينٍ أمنيةٍ”، ليكتشف بنفسه حقيقة ما نقول!..
وقد زخرت قصص الأنبياء (عليهم صلوات الله وسلامه) في القـرآن الكريم .. بالعديد من المعاني والعِبَر الأمنية، خلال تبليغ دعوتهم لأقوامهـم، ومَن يتأمل في بعض تلك القصص.. فسيصل إلى اقتناعٍ قويٍ بأنّ الحـذر والأمن، كانا من الأساليب الضـرورية التي لا يمكن التخـلي عنها، في أي دعوةٍ من الدعوات التي حملها أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام!..
سنستعرض -إن شاء الله- بعض هذا القصص القرآني بنظرةٍ تحليلية، نقـف فيها عنـد بعـض المفاصـل الأمنية، فنُظهرها ونعلّلهـا، لنأخـذَ منها العِبَر التي تفيدنا في توحيـد نظرتنا واقتناعنا -نحن أبناء الحـركة الإسلامية- تجـاه الأمن والعمل الأمنيّ.
وسنستعرض -بإذن الله- عدداً من النصوص القرآنية التي تؤكّد على مفاهيم العمـل الأمنيّ وأهميّته وأساسياته، بعد أن نقـرأها “بعينٍ أمنية”، فنوضّح فيها تلك المفاهيم والأساسيات، الضرورية لعمل الثورة والحركة الإسلامية المعاصرة، التي تعيش في القرن الحادي والعشرين!..
((وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)) (الزمر:27).
يتبع

د. محمد بسام يوسف