ومن أشعر وهو في صلاته، من ثقة، أنه على غير القبلة، فإن كان الانحراف يسيرا تحول إليها.. وإن كان قد استدبرها أو شرّق أو غرّب جهلا منه فقال بعضهم يقطع ثم يبدأ من جديد متوجها إلى القبلة الصحيحة. وصلاته الأولى بعد العلم باطلة..
ثم على الرغم من الصيت السيء لأجهزة المخابرات في أوطاننا المنكودة، إلا أن هذه المؤسسات جزء مكين من بناء الدولة الحديثة. إنها عين الدولة وأدوات استشعارها للوصول إلى المعلومة المناسبة في الوقت المناسب، لاتخاذ القرار المناسب في درء المفاسد وجلب المصالح العامة للبلاد والعباد.
حين تجد الرجل، أو الفريق من الناس تستجد لديهم كل يوم عشرات المعلومات ثم يجعلونها زينة مجالسهم أو صحائفهم فاعلم أن هؤلاء الناس ليسوا أهل جد بل هم أهل هزل أو هزال.
حين نتأمل حجم المعلومات التي توفرت لدى السوريين عموما، وصناع القرار منهم خصوصاً عن حقائق ومواقف من يدْعُون أو يدّعون ثم تتساءل عن أثر هذه المعلومات في المواقف والقرارات… ربما تغسل يديك من القوم تعبيراً عن يأس وقنوط.
تسع سنوات من الثورة والقيادات المسترسلة تتستر بتبني مواقف رغبوية نشأت في فراغ نمت فيه أشجار باسقات، وبنيت فيه قصور باذخات..
وبعض الناس عندما يسمع حديث العقلاء يتكلمون عن الواقعية، يعتبرون الواقعية المزيد من “التطامن” أو “التنازل” أو “التخلي” عن الآمال والأهداف. وبعض الناس يعتبر الواقعية “أن تدور مع القوي الباغي حيث دار ” حتى إن دخل جحر الدستور أن تتبعه إليه.
وواقعية الواقعيين الصادقين تعني أن توظف كل المعلومات الدقيقة في وقتها في صناعة موقف وقرار يدفع مفسدة ويجلب مصلحة لكل الناس.
لقد صاحَبَ هجرانُ المعلومات أو الظهار منها أو المظاهرة عليها هذه الثورة من أول أيامها. لا غرو أن السيل يندفع من أعلى الجبل.. ولكن أين كانت القيادات الأكاديمية والعلمية والمتخصصة من صناعة المواقف الجادة وهي تعتلي أسنمة قرارات المعارضة على المنابر وفي المحافل؟! أين كانت القيادات الجادة من القرارات الواقعية العلمية التي ترشد وتوجه..؟!
لا نكتب هذا فتحا لباب مناكدة تاريخية، وما مر من عمر الثورة أصبح تاريخا، وإنما نكتب لمعايشة واقع يومي يستجد فيه كل يوم المزيد والمزيد من المعلومات..
بعض المعلومات تنادي على إمام صلاة معارض: إنك تستدبر القبلة يا صاح، ويظل يتلذّذ بالمد المثقل الكلمي في قوله “ولا الضالين” وبسماع أصوات المأمومين خلفه يرددون “آمين ” بأصوات جهيرة تهتز له أرجاء المسجد..
يا قومنا استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة.. أن تكون بوصلتك صحيحة فيما تتوجه إليه.
إن ما استجد لدى قيادات المعارضة جميعاً من معلومات في فضائنا السوري وما يستجد في كل يوم وفي كل ساعة يفرض على الجادين منهم مراجعة آنية مع كل جديد، مراجعة يتم خلالها إعادة الحسابات، وإعادة فرز القوى، وإعادة تحديد المواقف دائما لنكون أكثر واقعية وأكثر عملية وأكثر صوابية في التمسك بإنسانيتنا وهويتنا وحريتنا وكرامتنا وسائر حقوقنا..
إلى كل الذين يصلون إلى غير القبلة…
ليتكم تعلمون