أنه قبل سجن صيدنايا كان سجن تدمر، الأشد هولاً وإجراماً ورعباً…
رحم الله شهداءه وعافى معذّبيه…
وهذه حقائق يجب أن نظل نذكّر بها ونذكرها..
ومنذ البداية كان في سورية سجن تدمر الصحراوي.
وأول ما سمعت بالعنوان كان في سنة ١٩٦٧.. كنت يومها ابنَ عشرين..
يوم تمّ حشر جميع النخب السورية، ومن جميع المحافظات، ومن جميع المشارب، في ذلك السجن البعيد الرهيب. وكان الهدفُ يومها، التمهيدَ لإحكام السيطرة على المجتمع، بعد الخيانة البلقاء في حرب السابعة والستين. التي كان يعد لها بترتيب عجيب…
وبعد تمرير الجريمة، تم تحرير المعتقلين. ولو كان المقام يحتمل أن أعدد لعددت لكم الأسماء والعناوين…
ومنذ تعاظم ثورة الشعب السوري منذ مطلع ١٩٨٠… تحول سجن تدمر إلى مسلخ سادي بشري، انتهكت فيه كل الحقوق الإنسانية، بطرق يعجز عنها وصفُ الواصفين. قتل وإعدام وتعذيب وانتهاك…
وفي توصيف ما كان يجري في تدمر ثمة مدونات وكتب وروايات…
وأبسط ما جرى فيها المجزرة الكبرى حيث قتل ألف إنسان، في صبيحة يوم واحد من شهر حزيران من عام ١٩٨٠.
ومن بسيط ما جرى اعتراف وزير الدفاع الأسبق “مصطفى طلاس” أنه كان يوقّع قوائم الإعدام المئوية الأسبوعية على مدى عقد من الزمان -راجع كتابه أيام هزت دمشق-.
أما الممارسات بكل عنفها وتوحشها وساديتها فلا يستطيعها بيان ذو بيان..
سجن صيدنايا الذي تم إدخاله الخدمة منذ ١٩٨٧، أريد منه أن يكون، منتجع النقاهة، لمن يريد المجرم الأول الإفراجَ عنهم من نزلاء تدمر. هكذا كنا نتابع الأخبار. كنا في تلك المرحلة من أواخر الثمانينات وطوال التسعينات، إذا سمعنا أن الأخ قد تم تحويله إلى صيدنايا، نستبشر له بالخير..
حتى جاء المجرم الثاني، فأعلن إغلاق سجن تدمر سيء السمعة والذكر. حاولنا أن نعتقد أن إغلاق سجن تدمر يعني، طيّ مرحلة سوداء مظلمة من تاريخ سورية المظلم، ولكن هيهات هيهات..
أغلق سجن تدمر، ثم دمره المتطرفون المأمورون، لإخفاء شواهد الجريمة، وتعفية آثار الدماء…
لا أستطيع في هذه العجالة أن أستوفي ولو معشار ما كان يجري في تدمر..
لا أريد في هذه العجالة أن ألفت الأنظار على الجريمة الأكثر سخونة، التي ما تزال تتكشف وتكتشف معالمها في سجن صيدنايا وأخواتها…
وإنما أريد فقط أن أصل حلقات مسلسل الجريمة بعضها ببعض..
كثير من خريجي زنازين تدمر ما زالوا يعيشون بيننا. وما زالوا يصلحون ليكونوا شهوداً على عصر الظلم والظلام في وطننا. وفي سجن تدمر بشكل خاص.
أستصرخ كلَّ البشر الأحرار حول العالم سارعوا إلى توثيق فصول الجريمة الأسدية فصلاً فصلاً.. لا يُمحى منها فصل واحد ولا يفوت..
وثّقوا حسب قواعدكم وأصولكم كل فصول الجريمة. استمعوا إلى كل شاهد. فكلّ شاهد يمثّل مأساة “تراجيديا” أكبر تأثيراً من كل ما خط المبدعون..
استنفروا باسم الثورة السورية، وباسم الإدارة السورية الجديدة، كل القوى والطاقات، وكل المنظمات الحقوقية حول العالم، وكل أطباء علم نفس الجريمة، لعلهم يعيدون طرح نظريات جديدة عن حالات تغول الإنسان… وارتداده إلى أسفل سافلين…
المشهد بكل ما فيه أمانة في أعناقنا جميعا..
رفات أكثر من مائة ألف سوري، ذابت في فضاء صحراء تدمر، أمانة في أعناقنا جميعا…