الإخوان المسلمون في سورية

الإسلام السياسي وأسرار الهجمة عليه

انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة الهجمة الشرسة على ما يعرف بالإسلام السياسي، والعمل على شيطنة أصحابها ، بكل الوسائل وسائر الأدوات، ولا بد لنا أن نقف على هذه الظاهرة ونغوص في عميق معانيها ونقف على غاياتها ونتعرف إلى دلالاتها حتى لا نقع في فخاخ الأعداء الماكرة ومكائدهم التي تزول جبال من هولها.
* شمول الإسلام:
الإسلام دين الله تعالى الخالد، وشريعته التالدة، وقانونه الثابت، الذي سيبقى ما بقيت الحياة، والصالح لكل زمان ومكان، ولا يبلى مع مرور الأزمان، ولا تعاقب الأكوان، بل روح متجددة، بفضل من العزيز المنان، من حكم به حاز سعادة الدارين، وأفلح في أموره كلها، ومن أعرض عنه فإن له معيشة ضنكاً، ويكون أمره خسراً، وما ضاعت بعض البشرية، وصار أمرها إلى تيه وبوار، إلا لمّا تركت هذا الدين، ولم تأخذ بهديه ونوره، فآل وضعها إلى خسران مبين، وظلمات بعضها فوق بعض ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا)) ((اليومَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ علَيْكُم نِعْمَتي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَامَ دِينًا)) ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)).
* ومن فضل الله تعالى على عباده، أن جعل من خصائص هذا الدين (الشمول)، أي أنه ينتظم شؤون الحياة جميعاً، ويفتي في المسائل كلها (تبياناً لكل شيء)، يقول الإمام البنا في الأصل الأول من الأصول العشرين: (الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعاً، فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء).
فما من قضية، إلاّ وتدخل في محددات هذا الدين المنهجية، بروح منفتحة، وتكوين حضاري، وفهم وسطي، مع فقه الواقع، واستيعاب المستجدات، واستشراف للمستقبل، ورقي تجديدي، ونظر –في كثير من شعبه– اجتهادي، ويشكل ألواناً من الحضور الواقعي، بما زخر من شهادة الوحي، وإثبات التجربة، وشهادة المنصفين، جاء في الحديث الصحيح: (يبعث الله على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة، أمر دينها). حتى برزت تلك القامات الكبيرة، والرايات المرتفعة، في فنون كثيرة، في مجالات العلم، وإبداعات الحضارة التي يحكيها شهود حضاري لافت سطره المسلمون وغيرهم من المنصفين.
* مصطلح الإسلام السياسي:
من المنطلق السابق، إذن يتأكد أن:
أ- الإسلام لا يقبل الإيمان به بشكل مجزأ، ولا بطريقة العضين، والله تعالى نعى على هذا الصنف من الناس، الذين يؤمنون، ببعض الكتاب، ويكفرون ببعض. ((أفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتابِ وتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ))، فالإسلام حزمة خير متكاملة، والعمل الصالح له مراتبه، وترتيب الأولويات من قوانين عمله، بالجمع بين المعاصرة والتراث، والتمييز بين الثابت والمتحول، والمتفق عليه والمجتهد فيه، من لوازم نشاط العمل له. من هنا يكون الرفض، لنظرية تقسيم الإسلام، وحصره بجانب من جوانب الحياة، إنها نابتة سوء، فصار هذا التيار الغريب، ينادي بالإسلام التقليدي، أو إسلام الأصالة، أو إسلام الروح، أو إسلام الشرق، أو إسلام الغرب، أو الإسلام الاجتماعي إلخ، فهؤلاء يحصرونه بالعبادات المحضة، فلا يخرجون عنها، وآخرون نظروا إليه على أنه منهاج ثقافي فحسب، وصنف ثالث، رأوا في القرآن، أنه كتاب، يُقرأ في الموالد، وعلى الجنائز، وعلى المرضى، وليس له سوى هذه الوظيفة، حقاً إنها ثقافة التلبيس، واللعب على حبال الألفاظ، للتضليل والتشويه.

* الإسلام حزمة كاملة: تشمل نظم الحياة جميعاً، (عقيدة وشريعة) ففي الإسلام النظام السياسي والأخلاقي والاجتماعي وبناء الأسرة، ونظام اقتصاد، ونظام تربوي وتعليمي، ونظام قضاء وإفتاء، إلى غير ذلك من نظم، وقد كتب في بيان حقائقها جماعات من العلماء. ففرق كبير بين قولنا (الإسلام السياسي) هذا المصطلح الذي ينبغي أن لا يكون معتمداً بل نرده -من وجهة نظري- لأنه مشحون بالغمز واللمز، والتجريح والهمز، ومكتنز بمعاني التنفير والتشويه والتكريه، وعلينا أن نؤكد على وجود (النظام السياسي في الإسلام) أو بلغة بعض الأولين من الفقهاء (الأحكام السلطانية) وهو جزء من أنظمة الإسلام الشاملة.

* لماذا لا نقول بمصطلح الإسلام السياسي؟ ونرده لما يأتي:
– أصل ظهور هذا المصطلح، كان في بداية الألفية الجديدة، لأن لكل زمن أدواته في العداوة والتشهير، عندما أعلن بعض الساسة الغرب أنه آن الأوان، للحد من انتشار ما يسمى بحركات الإسلام السياسي، وكانوا من قبل، يسموها الحركات الأصولية، ثم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، برز مصطلح –الإسلام السياسي– بصورة واضحة، على أنه عنوان لجماعات تتستر بالدين لأغراض سياسية، وتجعل الدين سبيلاً لأهداف شخصية، وتعمل باسم الإسلام وغايتها الوحيدة هو الوصول إلى السلطة واللهث وراء كراسيها لا غير، وهذا كلام مرفوض مرذول، فيه قلب للحقائق، وتغرير بالناس، ويعنون بهذا حركات العمل الإسلامي الوسطية المعتدلة، التي تمارس العمل السياسي من خلال نظرية الشمول، لتحقيق برنامج الحكم الراشد.
– ويريدون بهذا، تشويه سمعة هؤلاء الإسلاميين، وفصلهم عن جمهورهم، طاعنين في مصداقيتهم، ولسان الحال والمقال لهم (لا تصدقوا هؤلاء الناس، لأنهم يتخذون الدين ستاراً).
يقول صاحب الكتاب الناقد لجماعة الإخوان المسلمين: (الإسلام السياسي: كل رؤية سياسية تنبعث من فكر فئة من الناس، ثم تصبغ بصبغة الإسلام، ولو عن طريق ترقيع الأدلة، بغية تحقيق أهداف سياسية لا علاقة لها بالإسلام).
– ويستخدمون كل وسائل التواصل مع الناس، لبث هذه السموم، خصوصاً في أيامنا هذه، ويعملون على ترويج هذا المفهوم، من خلال آلة إعلامية ينفق عليها مال كثير وبأدوات غاية في الخطر، ذات تأثير مذهل على طبقات الناس.
– وبالمقابل أنا أعذر الإخوة الذين يروق لهم، استخدام هذا المصطلح، ويعبرون عنه بحسن نية، وكأنهم هم من أنشأ هذا المصطلح، فيعرفون جماعات الإسلام السياسي، على أنهم أولئك الذين آمنوا بشمول الإسلام، ومن هذا المنطلق، يشاركون في العمل السياسي، ويخوضون غماره على أنه جزء من الحقيقة الإسلامية، إذ لا يجوز فصل الدين عن الحياة بصورة من صور الفصل.
– هذا لعمري! تعريف لا يريده صناع مصطلح الإسلام السياسي، ولو كان ذلك ذلك، لما كانت هناك مشكلة، ولكن الأمر على غير هذه الصورة، أيها الإخوة الكرام، فلا تقعوا في الفخ من حيث لا تعلمون، لأن صناعة الصورة الذهنية عن أبناء العمل الإسلامي، بطريقة التنفير، بلغة استخدام المصطلح، تزيد الناس نفوراً من هؤلاء، لأنهم وضعوا على سكة أخرى غير التي ركبتموها أنتم، فتصبح أنت في واد، والناس في واد آخر، بل أنت تساهم بشكل مباشر، أو غير مباشر، بصناعة هذه المفارقة والعداوة، وبوجيز العبارة، مصطلح (الإسلام السياسي) لغم خطير، لا يجوز أن نساهم في تفجيره، فنقتل أنفسنا.
– والأمر ليس بأيدينا حتى نعطيه هذا الوصف أو ذاك، فالنجاة إنما تكون بتوضيح الأمر، على نفس الصورة التي حملت اعتقاداً لإبلاغها للناس، نقية صافية، خالية من الغلو (والتطرف)، السماحة شعارها، وإرادة الخير للناس دثارها. ونقول للدنيا: آمنا بشمول الإسلام، ونتعاطى مع قضايا السياسة، من خلال مفاصل عملها السلمي، الذي يتيح الفرصة لتحقيق المشروع الوسطي، وبالذات في إطار المشاركة مع الآخرين من أبناء الوطن.
أما الآخرون الذين لا يريدون للإسلاميين أن يمارسوا العمل السياسي، بالبحث عن تحقيق قيم الحرية والعدل والكرامة والحقوق، لنترك الساحة لهم، يصولون بها ويجولون، فهذا غير صحيح، لأنهم بهذا يحاولون عزل المسلم عن أي حراك يتصل بالدولة والسلطان، يبغون حصره في الدوائر غير المؤثرة، وهذا خطر.
– وهنا نتحدث عن أصل الفكرة، لا عن طرائق تطبيقها وتفعيلها، (فصل السياسي عن الدعوي) كآلية عمل، لأن هذه قد اختلفت وجهات نظر المفكرين الإسلاميين فيها، فمنهم من يرى إنشاء أحزاب سياسية تكون ذراعاً للحركة، ومنهم من يرى أن الحركة هي من تقوم بهذا الدور، وهناك رؤى أخرى، ليس مجال بحثها هذه المقالة، ولكن هذا للتنويه للأمر، حتى لا ندخل في دوائر عدم الفهم لبعضنا، ولها مجال آخر، وكلام فيه تفصيل، لكنه قطعاً لا يدخل في سياق فصل الدين عن الدولة أو إبعاد المسلم عن السياسة، أو عن مفاصل الحياة وشؤونها.

الدكتور عامر أبو سلامة

مفكر وكاتب إسلامي