الإخوان المسلمون في سورية

الثامن من آذار..!! ثلاث محطات

الثامن من آذار يوم تزدحم فيه الذكريات.. كنا لكي نغيظ البعثيين، نقول عنه، ذكرى جلوس الملك فيصل الأول على عرش سورية!!
وهو اليوم الذي انتخب المجلس السوري العام، المرحوم فيصل الأول ملكا على سورية، وتم إعلان الدولة السورية ملكية دستورية مستقلة.
دائما يريبني الظل اللغوي لمعنى الاستقلال. “طَلَبُ القِلة، أو صار إليها”. وكان هذا المعنى مما يتمدح به الصعاليك والفتاك، اسمع إلى الشنفرى..
إن بالشِّعب الذي دون سلع .. لقتيلاً دمه ما يطل
خلّف العبء عليّ وولى ..أنا بالعبء دونه مستقل
والسياق هنا سياق مدح، والأصل أن ترد كلمة الاستقلال في سياقات الذم: استقل برأيه: استبد. وما أسوأ الاستبداد!! واستقل بمعيشته، سياق إيجابي إن كان القصد قد كفى نفسه، وسلبي إن كان على مذهب الصعلوك الذي قال..
وإني امـــرؤ عافي إنـــائي شـــــــركةٌ .. وأنت امرؤ عافي إنائــــــك واحـــــد..
أتهزأ مني أن سمنتَ وأن ترى .. بوجهي شحوب الحق والحق جاهد..
أظن أن تزييفا سياسيا أدخل على معنى كلمة “استقلال” حتى صارت الدول تحتفل بيوم تسميه عيد الاستقلال. يقولون الآن في بعض التقليعات الحداثية أصبح الطليقان يحتفلان بعيد طلاقهما، يلتقيان مع الأصحاب والصاحبات وينهيان الليلة كلٌ بما يشتهي!! الثامن من آذار ذكرى إعلان سورية دولة ملكية دستورية .ملكها الأمير فيصل الأول. وهي ذكرى تستطيع أن تضعها في سياقها الذي تريد..
والثامن من آذار …في محطة ثانية
ذكرى الانقلاب البعثي المشؤوم على الحياة الدستورية في سورية “المستقلة”!! والذي شاركت في صنعه نخبة من القيادات البعثية، وحفنة من الضباط غير المتجانسين، جمعتهم النقمة، ووحد بينهم الحقد على المجتمع الذي ينتمون إليه، وكانت الطائفية هي الخيط الوحيد الذي يجمع أصحاب المآرب الخفية منهم..
وحتى لا أظلم البعثيين مطلقا، أنا أعلم من كوادر حزب البعث من استقال منذ العام الأول من الانقلاب. وقالوا ليس على هذا. توافقنا!!
مسيرة الثامن من آذار في محطاتها العسكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية كلها أصبحت وراء الشعب السوري، وحتى الخاتمة المخزية المتمثلة في مشروع القتل والتدمير ما يزال بعض صعاليك الحزب يغطون عليه. بل ويتنافسون على ذلك..
سؤال مهم أحار في الجواب عليه: هل يغني من الحق شيئا أن أساطين أي حزب يتبرؤون منه، ولكن بعد فوات الأوان؟؟ ميشيل عفلق مات طريدا؟؟ صلاح البيطار قتل برصاص حزبه، أمين الحافظ عاد في ساعة أزمة العراق إلى جحره بعد طول عناد.!! جواب لا أجد من السهل الجواب عليه. وقد أنشد:
يقضى على المرء في أيام محنته… حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن..
وأعود إلى الثامن من آذر في محطته الثالثة
يوم المرأة العالمي..
وأعتقد أن المرأة “الأم والأخت والزوجة والبنت” تستحق أن يكون لها يوم في الثقافة العالمية. وأن تراجع في هذا اليوم كل الثقافات والتقاليد التي فرضت على المرأة نوعا من العنت، في ظل ظروف وأوضاع تغير كثير منها.
أعتقد أن النساء في أكثر مجتمعات الأرض لا ينلن النَصَف الذي أجمله قول الله تعالى ((وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)) وأتممت الآية حتى لا يقال..، مع أن شاهدي في الكلمات الأولى من الآية…
وأعتقد أن إنصاف المرأة يجب أن ينطلق من واقع الأمر لا من تخيلات وتهيؤات..
وأعتقد أن من السذاجة الصبيانية أن نظل نقارن بين ملفات الجور على المرأة في مجتمعاتنا وفي مجتمعات الآخرين، فالظلم والغبن يسقى بماء واحد..
وأعتقد أن الغبن الواقع على المرأة باسمها أكبر أحيانا من الغبن الذي يقع عليها باسم أبيها أو أخيها أو زوجها…!!
في اليوم العالمي للمرأة أريد أن أقرر كلمات موجزات..
شريعتنا الإسلامية أقرت القواعد العامة لإنصاف الرجل والمرأة على السواء. وفقه شريعتنا الإسلامية موقوف على فقهاء يستنبطون من فقه ((وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)) كما يستنبطون من فقه ((وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)).
وتنكير كلمة “درجة” في السياق القرآني يحمل وجهين. أن يكون تنكير تصغير أو تنكير تعظيم!!
والمرأة في مجتمعاتنا العربية والمسلمة، وبعيدا عن المقارنة بأي غبن يقع على المرأة في المجتمعات الأخرى، يقع عليها أنواع من الغبن بوصفها إنسانا أولا فهو غبن تشارك شقيقها الرجل فيه، وبوصفها امرأة فهو غبن أو أشكال منه تنفرد به دون أشقائها من الرجال. المهم والأهم من المهم أن لا نحمل أشكال الغبن الاجتماعي على الشريعة الإسلامية. وعندما نقاضي واقعا إسلاميا نحن لا نقاضي الشريعة. ويثير عجبي بل استنكاري عندما أقول الواقع الاجتماعي ويرد عليّ أحدهم ولكن الشريعة…!!
نحن في اشتباك مع واقع اجتماعي وليس مع الشريعة. فليفهم هذا الذين تُقصر بهم الفهوم. نحن في اشتباك مع واقع اجتماعي، ومقررات بشرية لعصور خلت، ولسنا أبدا في اشتباك مع نصوص شريعة الله المقدسة الصالحة لكل زمان ومكان.
ما قاله الله سبحانه وتعالى ورسوله الأكرم يصلح لكل زمان ومكان ولكن ليس ما اشتقه فقيه زمان أو فقيه مكان!!
حرمان البنات من الميراث واقع اجتماعي، أكل مهور البنات واقع اجتماعي. إرغام البنات على الزواج ممن لا يرغبون واقع اجتماعي. التعسف في اقتضاء الحقوق من المرأة الزوجة واقع اجتماعي، وكل ذلك يحتاج إلى إعادة توجيه وترشيد وفقه وتقنين للتصدي له…
وإضافتي الأخيرة حول المواثيق والاتفاقيات والإعلانات الدولية والعالمية لحماية المرأة والدفاع عن حقوقها -كما يرونها- وأقول ..
نحن أمة الجدال بالتي هي أحسن، وأجمل ما أرشدنا إليه كتاب ربنا في الجدال بالتي هي أحسن أن نتمسك بكلمة الحق في كل سياق، وأن نقبلها، وندافع عنها ونجتمع عليها,, وأزيد ونحن أمة المنخل والغربال…
وعندما عاث بعض المحادين والجهال فسادا في حديث نبينا صلى الله وسلم عليه قابلناهم بمناهج المحدثين، لم نقل إن علم الرواية قد فسد لكثرة ما حمل عليه، وإنما اخترعنا الآليات التي تميز الحق من الباطل، في كل سند ومتن..وفي كل سياق نقبل حقا ونرد باطلا..
ويجب أن يظل هذا دأبنا… في كل سياق نتبين الحق من الباطل ونميزه، ونتمسك بالحق ونقوي شوكته، ونتصدى للباطل ونكشف سوأته، نستخدم في مقامٍ الغربال فننفي الشوائب التي علقت، أو المنخل فنفرز الشوائب التي لحقت..ويظللنا في كل ما نسعى إليه نور من الله وسلطان… في كل ما يعرض علينا نأخذ بأحسنه ونقويه، ونرد باطله ونضعفه.. لا تتحكم بنا عصبية، ولا يضعفنا هوى ..
والعدلُ العدلُ العدلُ لكل الرجال ولكل النساء. وتسمي العرب الشقيق، ما اشتق طولا فكان حذو القذة بالقذة. وأم القطُّ أو القطع عرضا فهو الذي يدخله الجنف والزغل. و”إنما النساء شقائق الرجال” ذلك قول الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام.

زهير سالم

مدير مركز الشرق العربي، قيادي سابق في جماعة الإخوان المسلمين في سورية