أسامة محمد الحمصي
الحُبّ، ما الحُبّ … ومن منّا يستغني عن الحبّ؟
أصل الحبّ، حُبُّ الله سبحانه وتعالى، وحبّ نبيّه محمّد صلى الله عليه وسلّم.
فإذا امتلأ القلبُ بحبّ اللهِ مولانا العظيم سبحانه وتعالى، وحبّ نبيِّه الكريم سيّدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلّم، فلا يتمكن منه حبّ سواهما، وبذا فقد أَخْبَتَ القلبُ، وتواضع، وخَشع. وإذا خَشَعَ القلبُ خشعت الجوارحُ. وإذا خشع القلب والجوارح ظهر أثر ذلك إيجابيّاً جليّاً على السلوك عامّة، وعلى العبادات بشكلٍّ أخصّ.
ومن تحقق بذلك انقاد لأوامر الشرع الحكيم، فأصبح مصدر خير ورحمة، لنفسه ولغيره.
ولكن ما الحُبّ؟ وما أنواعه؟ وما درجاته؟ وما مقتضياته؟ وهل للحبّ من ثمرات أو علامات؟
أحاول تجلية هذا الأمر من خلال هذه السطور، ولكن بشكل مجمل. ومن أراد التفصيل والمزيد، فليطلب ذلك من مظانّه ومصادره، ومنها كتاب لي بعنوان: “كيف نحقق حُبَّ اللهِ تَعَاْلى وحبّ نبيّه محمّد صلّى الله عليه وسلّم في قلوبنا”.
قد يكون الحبُّ بين الخالق والمخلوق، أو بين مخلوق ومخلوق.
وأفضل الحُبّ ما كان لله وفي الله وعلى مراد الله سبحانه وتعالى … فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذرّ رضي الله عنه: “أيُّ عُرا الإيمان أوثق“؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: “الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحُبّ في الله، والبغض في الله“. رواه أحمد والحاكم في المستدرك.
وفي حديث آخر: “مَنْ أحبّ في الله، وأبغض في الله، وأعطى لله، ومنع في الله، فقد استكمل الإيمان“.
رواه أبو داود والترمذي.
مما ورد في معنى الحبّ عند المخلوقين:
أنه حالة وجدانية شعورية. ومن معانيه اللزوم والتعلق، و: شعور بالانجذاب والإعجاب. و: ميل القلب أو النفس إلى شيء مرغوب. والحُبّ عكس الكره والبغض.
من أنواعه: حُبٌّ ممدوح، ومذموم، وجبِلّي فطريّ.
وقد ورد في درجاته: الهوى… الصبوة… الشغف… الوجد… الكلف… العشق… النجوى… الشوق… الودّ… الولَه.
ومن علامات الحب: كثرة ذكر المحبوب. ومن علامات حبّ المحبوب: أن لا يعصيه، وأن يُحبّ ما يحب، وأن يبغض ما يبغض، وأن يبذل من أجله كل ثمين.
ومن مقتضيات الحبّ: حبّ الأوطان، وكراهية الطغاة والطغيان، وذلك أصلٌ من أصول الإيمان.
الحبّ في القرآن الكريم:
ورد ذكر الحبّ في القرآن الكريم في مواطن كثيرة وصور متعددة.
منها، قول مولانا سبحانه وتعالى:
“قُلْ: إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ“. [التوبة: 24].
فأصل الحبّ، حُبُّ الله سبحانه وتعالى، وحبّ نبيّه محمّد صلى الله عليه وسلّم. ومن ثمرات ذلك حبّ الجهاد في سبيل الله تعالى، وبالجهاد تصون الأمّةُ ما يحبه اللهُ تعالى، وما يحبّه رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم.
فإنْ أحبّت الأمّةُ هذه الثلاثة (اللَّه، وَرَسُوله، وَجِهَاد فِي سَبِيلِهِ) وفضّلتها على الثمانية المذكورة في الآية، نالت السعادَة والخيرَ والفلاحَ والنجاحَ في الدارين. وإنْ فضّلت الثمانيةَ على الثلاثة فويلٌ لها ثمّ ويل.
ومنها: أنّ الله تعالى يحبّ أصنافاً ثمانية من عباده (عدد أبواب الجنّة)، هم: المحسنون، والمتقون، والمقسطون، والمتطهرون والتوابون، والصابرون، والمتوكلون، والذين يقاتلون في سبيله صفّاً. اللهمّ اجعلنا معهم ومنهم وفيهم.
وأنّه سبحانه لا يحبّ أصنافاً من خلْقه، يمكن جمعهم في سبعة أصناف (عدد أبواب جهنم)، هم: الكافرون، والظالمون، والمعتدون، والمفسدون، والمسرفون، والخائنون، والمستكبرون. اللهمّ أجرنا من حالهم ومآلهم.
ونلتقيكم إن شاء الله في الحلْقة الثانية.