تتوحد قوى الشر العالمية الدولية والإقليمية في موقفها من حراك الربيع العربي في جميع أقطاره. وعلى التوازي من هذا الحراك تنسج موقفها من سياسات الدولة التركية الداعمة لهذا الحراك، والمؤيدة لمبادئ ما يطلق عليه القيم الكونية المتجسدة في العدل والمساواة والحرية والديموقراطية.
على خلفيات متوحدة متعددة تطلق قوى الشر في العالم ومؤسساتها الفاعلة والتابعة النار على كل من يشترك في الثورة ضد باستيلات القرن الحادي والعشرين. التي باتت أكثر قتامة وبؤساً على جميع خطوط الطول في العالم العربي من المحيط إلى الخليج..
وعلى خلفيات شتى، وبألسنة حداد متلونة، يظلّ من يطلق عليهم زوراً كتاب ومحللون يطرحون تساؤلات مريبة عن مشروعية الدور التركي الحضاري والإنساني والسياسي في سورية والمنطقة العربية، وأكثر ما يتعلقون به حبال رثة أكلها العثّ من مفاهيم السيادة الموهومة، والتدخل في الشؤون الداخلية المزعومة. وكأنّ القصف الصهيوني بالأمس لا يمس سيادة، ولا يمسّ الألبسة الداخلية!!
إن أول ما يؤكد مشروعية الدور التركي في سورية، ويشرعن الحضور بل يستنكر الغياب؛ هو حق تفرضه “الجيو سياسة” بالآفاق المفتوحة للمصطلح وتجلياته حسب معطيات العصر. والصياغة بالتبسيط هو حق يفرضه الجوار. ونحن أبناء أمتنا في صميم ثقافتها “حق الجار على الجار “. و”الجيو سياسة” بالصياغة القانونية هي حق الشفعة المضمون بقوانين أكثر أهل الأرض مدنية ورقيّا.
ومنذ بداية الثورة السورية، كان السوريون يتساءلون: كيف سبق إلى سورية الإيراني والحزبلاوي وغاب التركي؟!
تختصر الجيو سياسة بمشاهد تصويرية: الحريق في بيت الجيران، كورونا على الطرف الآخر من الحدود، الحذر من أن تتحول سورية إلى قاعدة للعدوان على تركية كما كانت كذلك منذ 1980 وحتى 1998. كلام كثير يمكن أن يقال تحت هذا العنوان ولا يجادل فيه إلا مبطل أو جاحد..
ثم ثاني ما يعطي الدور التركي مشروعيته في سورية هو المشترك الإسلامي والحضاري والتاريخي. فقبل مائة عام فقط كان يعيش على هذه الجغرافيا أمة واحدة تحت راية دولة واحدة.
إنّ على الذين يزعمون أنهم يستمدون مشروعية وجودهم على الأرض السورية من بشار الأسد أن يعلموا أن بشار الأسد لم يملك الشرعية قط ليمنحها!!
وحين نكتب المشترك “الإسلامي” يبعق في وجوهنا أعداد من الطبول الحمقى حول وطنية الطين، وأي طين يقصدون؟!
ولماذا يسمح للسيد سيرغي لافروف أن يتحدث عن حماية النصارى، وحماية الأرثوذكس في سورية وكأنه كافلهم وراعيهم، ولا يسمح لمسلم سوري أو تركي أن يقول كلمة عن حق التناصر والتكافل والتعاون؟!
لماذا يحق لرئيس دولة عظمى اسمه ترامب أن يعلن عن جاهزيته لحماية من يسميهم “الأقليات العرقية والدينية ” ويعلن بلا حياء تحالفه معهم، وتبرعه لهم بخمسين مليون دولار – لم يسأل أحد منّا أين ذهبت هذه الملايين، ومن لهطها، وفيم وظّفها من لهطها؟!، ولا يحق لمستضعف شرّدته أسلحة بوتين وعضّه الخوف والجوع والبرد في ليلة فيرفع رأسه إلى السماء فيرى فيها أملاً؟؟؟
وحين يحقّ لبوتين ولترامب وهم على بعد آلاف الأميال من سورية وشعبها أن يؤسسوا قواعدهم على الأرض السورية، ويصبّوا نار حممهم وحمم أتباعهم على اللحم الحي للسوريين؛ أفلا يحق لتركية، بل ألا يجب عليها أن تبادر إلى حماية الأكثرية المستهدفة في سورية، قدر استطاعتها كما حق للافروف وكما حق لترامب من قبل.. ويحدّثك أهرت الشدقين عن السيادة الطينية!!
ثم ثالثاً- يستمد الدور التركي في سورية مشروعيته من معين القيم الإنسانية الحضارية التي تشكّل إرثاً مكيناً لكلّ البشر. وموئلاً لإنسانية الإنسان قيمة ملازمة لهذه الحضارة التي صفتها أنها حضارة الإسلام وليست حضارة العرب أو الترك أو الكرد.
أيُعاب على تركية أن كانت وفية للقيم الإنسانية، في حين تنكّر لها كل الأدعياء؟! أيعاب على تركية أنها حضرت حين غابوا، وأنها أطعمت حيث جاع البشر على قدر وسعها، وأنها أدفأت حيث قرض البرد أجساد الأطفال على قدر وسعها. أيعاب عليها أنها أمّنت الخائف، وأغاثت الملهوف، وأعانت المستضعفين على ما نزل بهم من نوائب الدهر.. ويسكتون عن المجرم الذي قتل ودمّر وشرد وأجاع؟!
ثم رابعاً في مشروعية الدور التركي في سورية..
قانون الأمم المتحدة الذي ينصّ على ضرورة حماية المدنيين أثناء المعارك والحروب، هو قانون دولي لمن يريد أن يتحدث عن القانون الدولي. قانون دولي لا ييبطله فيتو روسي قام على الباطل منذ أول يوم. قانون دولي يقطع ألسنة كلّ المشككين فيه. هذ القانون الدولي في لبوسيه السياسي والإنساني الذي تنكر له الجميع، وانفردت الدولة التركية وحدها بالسعي للوفاء له..
المعترضون على الدور التركي في سورية..
وفريق من المعترضين على الدور التركي في سورية هم عاتبون، وجلّهم من السوريين، الذين كانوا يؤملون في تركية أكثر، وينتظرون منها دوراً أكبر، فهم يطلقون ألسنة العتب، التي تصطبغ أحياناً بمرارة الواقع، وسواد المأساة؛ فيتحول عتبهم إلى نقد، وفي بعض الأحيان يتحول نقدهم إلى هجاء. وكثير من هؤلاء من أصحاب النوايا الطيبة الذين يتجاهلون دور القدرة في صناعة الموقف، ويظلون يحومون في فضاءات الإرادة توهيناً وتشكيكا. فبالنسبة لهؤلاء أنت لا تفعل لأنك لا تريد، ولا يتصورون أنك قد لا تقدر.
أو فريق آخر هم موضع حديثنا في هذا المقام وهم أشتات من الدول والقوى وفئام من الزعانف الذين أسّسوا مواقفهم ابتداءً على نقض أديم هذه الأمة، والسير في ركب أعدائها، “يبتغون عندهم العزة ” فمرة في هذا المركب ومرة في ذاك.
حين نتأمل موقف صانعي القرار العالمي من أعداء هذه الأمة، نستطيع أن ندرك بقليل من التحليل بواعثه وأبعاده، مدخلاته ومخرجاته، أهدافه القريب منها والبعيد.. ولكن حين نتأمل موقف الأتباع المؤسس على التناقض مع المصلحة الوجودية للذات..
لا نملك إلا أن نردّ بالطبع على غير بوتين وترامب..
أقلّوا عليهم من اللوم لا أبا لأبيكم.. أو سدّوا المكان الذي سدوا
والله لوددنا أنكم حضرتم، وودنا أنكم سددتم، ولوددنا لو أنكم حين غبتم وفرّطتم لو صمتّم ففي الصمت ستر لكثيرين من أهل الخطل والعي.
فقد سأل عربي حكيما من حكمائهم : ما خير ما يرزقه المرء؟؟
أجاب الحكيم: عقل يرشده.
قال السائل فإن لم يكن -أي لم يكن له عقل يرشده-، أجاب الحكيم : فخلق يزينه..
قال السائل : فإن لم يكن؟ قال الحكيم فمال يستره. قال السائل : فإن لم يكن؟ قال الحكيم: فصاعقة تحرقه تريح منه البلاد والعباد!!!
فصاعقة تحرقهم تريح منهم البلاد والعباد.