الإخوان المسلمون في سورية

“المُسْلِم” و”الإسلامي”

هاتان الكلمتان تتردّدان على الألسنة في وصف فرد من أفراد المجتمع. فأما كلمة “المسلم” فليست كلمةً اصطلح عليها الناس، بل هي كلمة شرعية جاءت بها الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، من مثل قوله تعالى: (هو سمّاكم المسلمين). {سورة الحج: 78}، وقوله تعالى: (إن المسلمين والمسلمات…). {سورة الأحزاب: 35}، وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: “المسلم أخو المسلم”. رواه مسلم.
وأما كلمة “الإسلامي” فقد شاع استعمالها، ربما منذ الخمسينيات في القرن الماضي. فهل هناك ما يدعو إلى هذا الاستعمال؟ وهل هو استعمال مقبول؟.
ولا بأس أن نذكر أن عبارة “الإسلاميين” وردت في بعض مراحل التاريخ، كما في عنوان كتاب “مقالات الإسلاميين” لأبي الحسن الأشعري، وقد قصد بها الفِرَق الإسلامية كالخوارج والمعتزلة والجهمية… وما اختصت به كل فرقة.
لكن كلمة “الإسلامي” في العصر الحاضر يُقصد بها المسلم الذي يظهر عليه غَلَبة الالتزام الشرعي في سلوكه، والولاء لدين الله، والرغبة في نشر هذا الدين ونُصرته. ويغلب على من يوصف بـِ”الإسلامي” أن يكون منتمياً إلى شيخ أو تنظيم أو اتجاه صوفيّ أو سلفيّ أو غير ذلك.
أقول هذا من خلال ترداد هذه الكلمة في وصف بعض الأفراد المسلمين، من غير أن أقف على تعريف معتمد لهذا الاصطلاح. وهنا مكان الجواب على السؤالين اللذين ذكرتهما آنفاً: هل هناك ما يدعو إلى هذا الاستعمال؟ وهل هو استعمال مقبول؟.
والجواب: ما كان لهذا الاستعمال أن يشيع لولا أنه سدّ ثغرة وأشبَعَ حاجة. فالناس المحسوبون على الإسلام ننظر في سلوكاتهم فنجد فيهم مَن يغلب عليه الصلاح والاستقامة، مِن التزام بأركان الإسلام وبُعد عن الكبائر وكثير من الصغائر، ومَن يظهر منه التفلّت والفسوق، ومَن هو بَيْن بَيْن. وننظر في انتماءاتهم الفكرية والسياسية فنجد المسلم الذي يغار على دينه ويحبّ له الانتشار والنصر والسيادة، ونجد مَن يتبنّى أفكاراً علمانية يضاهي بها شرع الله، ويدعو إليها، وقد ينتمي إلى أحزاب تحمل هذه الأفكار، كما نجد مَن لا يكاد يرفع رأساً بأي اتجاه أو فِكْر، وكل ما يهُمُّه هو أن يحقق مصالحه الدنيوية القريبة ويقول بلسان حاله: “كلّ مَن أخَذَ أمّي سمّيتُه عمّي”!.
أمام هذا الطيف الواسع في سلوك الناس وفي انتماءاتهم الفكرية وُجدت الحاجة لتصنيف من هو إسلامي ومن هو غير ذلك، وصارت كلمة “إسلامي” أخصَّ من كلمة “مسلم”. فكلمة “مسلم” تقابل مَن ينتمي إلى دين آخر أو مَن لا ينتمي إلى أيّ دين. بينما كلمة “إسلامي” ميّزت بين نوعين من المسلمين مِن غير أن تصف غير الإسلامي بأنه كافر. فالانحراف السلوكي لا يجوز أن يوصف صاحبه بالكفر إلا إذا أنكر الحكم الشرعي المعلوم من الدين بالضرورة، أو استخفّ به.
وتبنّي أفكار أخرى، وإن حكمنا على بعضها بالكفر، فإن الحكم على مَن ينتمي إليها يحتاج إلى تريُّث وتدقيق.
لذلك كان في هذا التقسيم: “إسلامي” و”غير إسلامي” مَخرج من الوقوع في الحَرَج الشرعي.
ولا بأس أن نزيد ملحظاً نفسياً واجتماعياً: عندما يعيش أصحاب انتماء فكري أو قومي أو وطني… في غربة، فإنهم يجدون حاجة في أن يؤكدوا انتماءهم. فالسوريون أو العراقيون الذين يعيشون في بريطانيا أو فرنسا مثلاً، يتقاربون فيما بينهم ليشعروا بسوريّتهم أو عراقيّتهم ويؤكّدوها، بينما السوري الذي يعيش في سورية، أو العراقي الذي يعيش في العراق لا يحسّ بهذه الغربة حتى يحتاج إلى تأكيد انتمائه لبلده. والمسلم الذي يجد من أبناء بلده، فضلاً عن غيرهم، من يريد إقصاء الإسلام وشريعته عن الحياة، لا بد أن تتحرك في نفسه مشاعر تدعوه إلى إعلان انتمائه للإسلام.
ويبقى هذا التقسيم مرناً غير حَدّيّ، حيث نجد في صفوف المسلمين من نتردد في وصفه مسلماً فحسب، ومن نَصِفُه بأنه إسلامي.
وكما قالوا: لا مشاحّة في الاصطلاح. والله أعلم.
* * *
بعد أن كتبتُ ما سبق، جاءني منشور على الواتساب أحببتُ أن أزيده على المقال لما فيه من علاقة به وطرافة وكشفٍ لما يتلاعب به “الآخرون”. وها هو نصّ المنشور:
يقول أحد العلماء: من مفارقات هذا العصر: أي إنسان يشهد الشهادتين فقط يسمى “مسلماً”.. فإن كان يصلي ويؤدي الفرائض يصبح “متديّناً”.. فإن كان متديناً ويطالب بالشريعة يصبح “إسلامياً”.. فإن كان إسلامياً ولديه ثوب ولحية يصبح “سلفيّاً”.. فإن أمَرَ بالمعروف ونهى عن المنكر أصبح “فضولياً”.. فإن كان يرفض تسلّط الغرب والشرق يصبح “جهادياً”.. فإن كان يجاهد لإعلاء كلمة الله يصبح “إرهابياً”.. وإن كان متمسكاً بدينه وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم وأطاع الله ورسوله يصبح “متشدّداً”!.. وفي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان مَن يفعل كل هذا يسمى “مسلماً” فقط!!.. انظر كيف سيطر الإعلام بسهولة على عقولنا!.

محمد عادل فارس