الإخوان المسلمون في سورية

انتخاباتٌ مغْنَاطِيسيَّة

قصص أقصر من القصيرة

جلس الحاج (عبد الكريم) مع زوجته وأبنائه وبناته أمام التلفاز، يترقّبون بَدْء البرنامج الاستثنائيّ الذي أُعلِنَ عنه منذ الصباح، وذلك بمناسبة اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية.. قالت زوجته (عَدْلة):
– أمعقول هذا يا أبا محمد؟!.. فقد وعدونا بالبرنامج الهام كما ذكروا، ولم يبدأ حتى الآن!..
– اصبري يا أم محمد، فهم يقولون إنهم سيعلنون عن اختراعٍ مذهلٍ يضبطون به عمليات الانتخاب، لكثرة (القيل والقال) -كما تعلمين- في مثل هذه المناسبات، ولكي يطمئنَّ كل أبناء شعبنا إلى النتائج!..
بعد نصف ساعة، ظهر على الشاشة رجل أنيق، أمامه صندوق معدنيٌ ملوَّن جميل متوسط الحجم، ومغلَق من كل جوانبه، سوى شقٍ في أعلاه، وشقٍ ثانٍ في أسفله.. قال الرجل:
– أعزائي المشاهدين: يُسعدني أنا الدكتور (حمّود السمكري)، رئيس اللجنة التكنولوجية للانتخابات.. أن أشرحَ لكم بإيجاز، هذا الاختراع الثمين الذي سيُدخِل الراحةَ والطمأنينةَ إلى نفوسكم!.. ثم عقَّب قائلاً:
– سيحصل كل منكم على (بطاقةٍ ممغنَطَةٍ) صالحةٍ للمرور عبر هذا الصندوق الإليكترونيّ.. يوجد في كل بطاقةٍ ثلاثة حقول. وهناك أداة طابعة خاصة، يطبع المنتخِبُ بواسطتها في كل حقلٍ اسمَ الشخص الذي يرغب بانتخابه عضواً في البرلمان، ثم يمرِّر بطاقته الممغنَطَة من الشق العلويّ للصندوق، ويتلقاها من الشق السفليّ له، وبذلك تُسَجَّل الأسماء التي تنتخبون أصحابها.. آلياً، على شريحةٍ إليكترونيةٍ خاصةٍ داخل الصندوق المغلَق بإحكام!.. إنها أحدث طريقةٍ ابتكرناها لمنع الغش والتزوير، كما إنها أسهل طريقةٍ وأكثرها دقةً وتوفيراً للوقت!..
* * *
بعد أربعة أيام، كان أبناء بلدة (الزعفران) مطمئنّين، مسرورين، فرحين، مستبشرين.. لأنهم استطاعوا هذه المرة أن ينتخبوا -بالإجماع- ممثّليهم الثلاثة الجديرين بعضوية البرلمان، وهم: (الدكتور خلف) و(المهندس حسيب) و(الأستاذ حَمَد).. لكنّهم بعد يومَيْن، فوجِئوا بأنّ الفائزين الذين أُعلِنَت أسماؤهم.. هم: (حسين) و(حيدر) و(باسل)!.. فتساءلوا بدهشة: ما هذه البطاقات الممغنَطَة العجيبة، والصناديق الإليكترونية الغريبة؟!.. كيف ننتخِب (خَلَفاً) فينجح (حسين)، ونُدخِل في الصندوق اسم (حسيبٍ) فيخرج لنا اسم (حيدر)، ونختار (حَمَداً) فتحوّله الشريحة الإليكترونية إلى (باسل)؟!.. كيف يا ناس.. كيف؟!..
لكنّهم لم يصبروا على ما حدث، فقد خرج أهل (الزعفران) كلهم في صباح اليوم التالي، بمظاهرةٍ احتجاجية، وتوجّهوا إلى مقرّ إدارة المحافظة، فوجدوا هناك أهالي كل البلدات المجاورة لبلدتهم يحتجّون أيضاً.. لكنّ (المحافظ) أطلّ من شرفة مَقرِّه على الساحة الواسعة، ليخاطبَ المتظاهرين المحتجّين، محاولاً التخفيف من غَلوائهم:
– أرجوكم، قدّروا موقفنا، فقد وقعت أخطاء إليكترونية لدى برمجة الصناديق الجديدة للانتخاب، لكنّ السيد الرئيس هاتفني صباحاً، ووعدني، وطلب مني أن أعدَكم!.. صمتَ برهةً، ثم تابع خطابه ممسكاً شاربَيْه بيديه الاثنتَيْن:
– مع أننا اعتمدنا النتائج الحالية!.. لكن أقسم بالله العظيم، وبشرف السيد الرئيس، أننا سنُصلِح الخلل في صناديق الانتخاب، لتكونَ جاهزةً ودقيقةً.. في الانتخابات القادمة بعد سبع سنوات.. فاطمئنوا، لن يتكرّرَ الخطأ!..
* * *

د. محمد بسام يوسف