د. محمد أبو صعيليك
الناظر في العقبات التي تعترض طريق الدعوة وتعرقلها؛ يجد أنه لا بد للداعية إلى الله تعالى من أمور تحفزه إلى العمل وتضاعف من نشاطه، وتبعده عن الخمول، وتخلصه من حالة الركود التي هو فيها.
وإن الناظر في حياة الدعاة إلى الله تعالى وسيرهم، بدءا من الأنبياء الكرام عليهم السلام، وفي مقدمتهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم صحابته الكرام رضوان الله تعالى عليهم، ثم الدعاة العاملين والمصلحين الصادقين في كل عصر وحين، بالإضافة إلى كتاب الله تعالى لها وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ليجد أن ثمة محفزات كثيرة يمكن لها من مضاعفة العمل الدعوي ودفعه إلى الأمام، وعند النظر في الكتب المختصة بذلك فإنه يمكن لنا أن نصف تلك المحفزات الدعوية كما يلي:
1- زرع الأمل في نفوس الدعاة:
إن أخطر ما يعاني منه الداعية إلى الله سبحانه وتعالى هو دخول اليأس إلى قلبه، وإفساد عزيمته، وفته في عضده، وإخفافه لنفسه، والناظر في حال الأمة المسلمة في هذه الأيام يجد أنها قد أصيبت باليأس في شتى جوانب حياتها ومنها جانب الدعوة، وهذا أمر خطير لا بد له من علاج، وعند النظر في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، نجد نصوص شرعية تأمرنا بالأمل وتنهانا عن اليأس، فإنه سبحانه وتعالى يقول: “ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون”.. وفي معنى هذه الآية نسمع أقوال المفسرين الآتية:
1- قال الحافظ بن كثير: وأمرهم ألا ييأسوا من روح الله: أي لا يقطعوا رجائهم وأملهم من الله فيما يرومونه ويتصورونه، فإنه لا يقطع الرجاء، ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون..
2- ويقول الإمام ابن جزي: إنما جعل اليأس من صفة الكافر لأن سببه تكذيب الربوية أو جهلاً بصفات من قدرته وفضله ورحمته.
وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم نجد أحاديث منها:
1- عن قربان الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن مني سيبلغ ملكها إلى ما زوي لي منها..
2- وعن تميم الداري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليبلغن الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدرب ولا مبر إلا أدخله الله هذا الدين بغز عزيز، أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به دين الإسلام، وذلاً يذل به الكفر..
هذا التصرف وأمثالها تلقي في نفس كل إنسان مسلم أن دين الله تعالى منصور، لا محالة بعون الله تعالى، وإن حال الأمة سيتغير إلى الأصلح، وأن الله سيقيل عثرة الأمة، ويجبر كسرها، ويرحم شغفها، ويجمع لها أمرها، ويخرجها من حالة الضعف، فإذا تصور الداعية هذا الأمر اندفع إلى العمل لله بكل جد ونشاط، ودفع عن نفسه الياس والقنوط، وترك ما فيها من ملك.
إن الداعية إلى الله تعالى هو أحوج الناس إلى الأمل بوعد الله تعالى، لأن الدعوة ما هي إلا أمل جديد في التغيير، وما الداعية إلا حامل لمصباح الأمل في حياة الأمة، وما الدعوة إلا جذوة الأمل التي توجد في النفوس، وتشعل في القلوب فتخرج الأمة من سباتها العميق إلى الحركة الدائبة، والنشاط الدائم، والاندفاع نحو نصرة الإسلام والمسلمين، ولهذا الأمر فقد قلنا في مقام آخر، لا بد للداعية إلى الله عز وجل من نفحة أمل تملأ قلبه، وكثير له طريقة، لولا بصيص الأمل هذا ما كان له أن يمضي في دعوته هذه، بل ربما نكس راسه، وداخله من اليأس الشيء الكثير، ولكن قيام الدعوة لا يجمل فيه سورة الأمل، سوى الأمل، ولا يصح فيه الياس والقنوط، فلا رد أولاً من أمل في نفس الداعية، ولا بد للداعية نفسه من بث الأمل في النفوس، ولتعود فيه تكبر على آلامها وذنوبها وتقصيرها لتعود إلى الله تعالى..
ويقول الدكتور أبو فارس: وكما أن الداعية لا ييأس، والأمل لا يفارقه لحظة واحدة في النصر، فإنه يجب أن يبث الأمل في نفوس الناس، ويدعم ذلك بالشاهد العملية، والحجج المقنعة، وعليه أن يحارب اليأس والقنوط في حياة الناس، ويتزعمها من القلوب، فانصر قريب من المؤمنين، وآت لا محالة.
ويقول الشيخ ابن عثيمين: من فإن الأمل دافع قوي للمضي في الدعوى، ولهذا نجد الله سبحانه يفتح لنبيه صلى الله عليه وسلم أبواباً كثيرة من الأمل.
أقول: ولا أبعدك كثيراً، فما الدعوة إلا إيقاد لشعلة الأمل في نفس عاص مذنب ليتوب من ذنبه، فيصح حاله، ويعود إلى ربه، وفي نفس مقصرة بائس ليتوب من تقصيره، ويعود ليقوم بما قصر به، ويحمل الدعوة مع إخوانه، وفي نفس كسير القلب، ومهين الجناح، ضعيف الهمة من واقعه الذي هو فيه ليعود في النفس، قوي القلب، مشحوذ العزيمة، مندفع الهمة، مقدوراً على نشر الخير والأمل في حياة الناس، الخاصة والعامة في شتى جوانبها، مرتفعاً عن القصور، الذي ينتج عن تفلت نظره، بواقعه القائم الذي لا يقر حديثاً، ولا يؤثر هو، عدوه أليست الدعوة في لحمتها وداها إلا بنت للأمل من جديد في نفوس المدعوين.