- ونحن على أعتاب العام الحادي عشر للثورة السورية المباركة، كيف تُقَوِمون مسيرة الثورة ومخرجاتها حتى الآن؟ هل يمكن القول أن الثورة مستمرة مهما حدث؟
– صحيح أن واقعنا اليوم مؤلم، ولكن المنحة ستولد من رحم المحنة، فأعمدة الفساد والاستبداد ما زالت تتوالد وتفتك بكل شيء جميل في هذا الوطن..
وبالتالي فإن أسباب الثورة ما زالت قائمة ضد هذا النظام الذي تعامل مع شعبه كعدو، والفرصة آتية لجيل جديد من الثوار يطيح بكل هذا الفساد من الجذور.
- هناك حالة من الإحباط الثوري لدى شريحة من الشعب الذي خرج ضد الاستبداد، والبعض يرده إلى الأداء العام للمؤسسات الثورية بشقيها السياسي والعسكري وحالات الفشل التي تعاني منها، هل تتفقون مع هذا الرأي؟
– لا يجوز للسوريين أن يشعروا بالإحباط، رغم كل الكوارث التي صادفتهم والمخاطر التي تحيق بثورتهم.. وقد كانت ثورتهم منتصرة عندما تداعى الإيرانيون والطائفيون من كل حدب وصوب لإنقاذ الطاغية، كما أن النظام كان موشكاً على السقوط مرة أخرى عندما قام قاسم سليماني باستعداء الروس على ثورة شعب يعاني من الاضطهاد والفساد..
لا يجوز للسوريين أن يشعروا بالإحباط، بل عليهم أن يشعروا بالفخر، فقد قدم الشعب السوري في سبيل حريته ما لم يقدمه شعب آخر في التاريخ الحديث..
يجوز أن نخسر معركة، ولكن لا يجوز أن نخسر أبداً عزيمتنا وإرادتنا للتغيير.
- كان للجماعة موقف واضح من المسار التفاوضي واللجنة الدستورية، الآن وبعد مضي خمس جلسات من حوارات اللجنة الدستورية، هل ما زلتم على موقفكم السابق؟ وما هو البديل لديكم عن هذا المسار التفاوضي الذي رضيت به ودعمته أطراف دولية وإقليمية؟
– لقد أثبت مسار الأحداث صحة موقفنا من اللجنة الدستورية، فقد انسحبنا منها مبكراً لاعتقادنا أن النظام لا يريد حلاً سياسياً، ويعرقل كل مسعى لتغيير معادلة الظلم والاستبداد القائمة في سورية منذ عقود..
إن المشكلة في سورية ليست مع الدستور، وإنما هي مع الديكتاتورية والاستبداد، وكلنا يعلم أن لا قيمة للدستور في ظل حكم الطغاة المستبدين، فقد تم انتهاك وتوريث السلطة من الأسد الأب للابن خلال تعديل الدستور في ربع ساعة ليناسب عمر الابن الذي لم يكن قد بلغ السن القانونية بعد..
وإذا استمرت منظومة الاستبداد في سورية بهذا الشكل، فهي قادرة على التلاعب وتعطيل أي دستور في سبيل إبقاء حكم العائلة وعبادة الفرد.
- ولكن ما هو البديل لديكم عن هذا المسار التفاوضي الذي رضيت به ودعمته أطراف دولية وإقليمية؟
– نحن لسنا ضد التفاوض الذي يؤدي إلى حل سياسي عادل حسب قرارات الأمم المتحدة، ولكن الذي نراه أن النظام وحلفاءه الروس والإيرانيين كانوا وما زالوا يبتزون المجتمع الدولي المتردد، ويحاولون إفراغ القرارات الدولية من محتواها لتعويم نظام القتل والاستبداد، وهذا لن يزيد إلا في استمرار الأزمة وتفجرها عند أول سانحة..
تسألني ما هو البديل؟ مبدئياً لا بد من ثبات المفاوضين على حقوق الشعب السوري، ورفض أية حلول لا تحقق مطالبه، ولن تستطيع الأطراف الدولية والإقليمية فرض حل خاسر على سورية إلا إذا وجدت شريكاً سورياً يرحب بهذه الحلول الخاسرة.
- يتحرك الروس بشكل واضح مع المعارضة من خلال لقاءات علنية وسرية من أجل إقناعهم بوجهة نظرهم في الحل، فما هو موقفكم من الطرح الروسي للحل في سورية؟ وهل هناك لقاءات مع الروس في هذا الإطار؟
– منذ بداية الثورة اختار الروس دعم بشار الأسد ضد الشعب السوري، لأنه ما زال خيارهم الأمثل لبقائهم في سورية وتحقيق مصالحهم في المنطقة..
وما لم تحدث تغيرات هامة تدفعهم لتغيير هذه المعادلة، فهم يتحركون لإقناع المعارضة بأن الديكتاتور -الذي قتل مليوناً من شعبه وشرد أحد عشر مليوناً- هو خيارهم المفضل لمستقبل سورية..
لا شك أننا نمر اليوم بمرحلة مؤلمة وفاصلة في تاريخنا..
هم يريدون للشعب السوري أن يتصالح مع الاستبداد ومع الفساد ومع الطائفية ومع الجريمة ومع القتل ومع الاغتصاب ومع السرقة.. أما نحن السوريين أولياء الدم فلا يمكن لنا أن نرضى بهذا الانحطاط والتردي الأخلاقي الذي يجمّل القبح ويطهّر العهر السياسي.
- تتحدث بعض وسائل الإعلام كل فترة عن لقاءات لكم مع إيران، أو وساطات أو رسائل عبر وسطاء من أجل الحوار والجلوس على طاولة واحدة، ما حقيقة هذا الأمر وهذه الأخبار؟ وما هو موقفكم من إيران ودورها في الثورة السورية؟
– يفتخر الإيرانيون بأنهم هم من ثبتوا النظام السوري في الحكم بعد أن شارف على حافة الانهيار، بل إن حسن نصرالله -في مقابلة مع قناة الميادين- يتباهى بأن قاسم سليماني (قائد الحرس الثوري لجمهورية إيران الإسلامية) هو من أقنع الروس بالتدخل في سورية لتغيير توازن القوى لصالح النظام وحلفائه..
إذن هم من ثبّت نظام الطائفية والفساد والاستبداد الذي ثار عليه السوريون ودفعوا ثمناً غالياً للخلاص منه..
فماذا تظن أن موقفنا سيكون من أناس يفتخرون بالقتل ويجلبون القتلة إلى ديارنا..
ومع ذلك، فنحن لا نُكنُّ أية مشاعر عدائية تجاه عموم الشعب الإيراني، ولكننا ننظر إلى إيران كدولة محتلة ذات روح طائفية بغيضة، تعمل على تغيير النسيج الديني والثقافي للشعب السوري.
- يتضح جدا من خلال المواقف الرسمية وغير الرسمية لبعض الحركات الإسلامية أن لها موقفا مختلفا من إيران، بخلاف موقف إخوان سورية، فكيف تتعاملون مع مواقف الآخرين؟ ولماذا هذا الاختلاف؟
– يستند بعض هؤلاء الإسلاميين المؤيدين لإيران إلى الخطاب الرسمي الإيراني الذي يتبنى خط المقاومة ضد العدو الصهيوني، ويقدم الدعم للحركة الإسلامية المقاومة في فلسطين..
والحقيقة أن الربيع العربي كشف زيف هذه المقولة..
وفي تقديرنا أن علاقة الضرورة التي ألجأت الحركة الإسلامية الفلسطينية إلى إيران، أوقعتها في مأزق تاريخي، والمشروعان الصهيوني والإيراني يتنافسان على النفوذ في بلادنا ويتصارعان على قصعتنا.. ومن البديهي أنّ نُبل هدف المقاومة لا يمكن أن يبرر حالة القتل والعدوان التي تمارسها إيران في المنطقة، وفي سورية خاصة..
قل لي بالله عليك، كيف يمكنهم تحرير فلسطين إذا كانت الشعوب في سورية والعراق ولبنان واليمن مقهورة ذليلة ومشردة تحت الخيام وفي أصقاع الأرض؟!
أخطأتم أيها السادة…
الطريق إلى فلسطين لا يمر بتلال القتلى ولا المدن المهدمة في بلادٍ هي قلب العروبة والإسلام..
إن تحالف بعض الإسلاميين مع إيران حلف تكتيكي، أما المرامي الإيرانية فهي استراتيجية، وهؤلاء -شعروا أم لم يشعروا- يقايضون الاستراتيجي البعيد المدى بالتكتيك الظرفي العابر.
- يكثر الحديث في الفترة الأخيرة حول خلافات داخلية بين الائتلاف الوطني والحكومة المؤقتة، وبين مكونات الائتلاف الداخلية، ما هو موقفكم من ذلك؟ وكيف ترون وضع الائتلاف ودوره حتى الآن؟ وهل ما زلتم جزءاً منه؟
– ما زال الائتلاف –رغم كل التطورات السلبية التي أحاطت بالقضية السورية- يحمل لافتة الشرعية الدولية للمعارضة السورية.. وهو يحتاج لإصلاحات تنبع من داخله، لا من إرادات خارجية تريد أن تضم جهات سورية انفصالية إلى صفوفه وتحاول تقزيمه إلى مجرد منصة مثل منصة موسكو أو القاهرة، تتماهى مع الإملاءات الخارجية.
- أصدرت الجماعة موقفا إيجابياً مرحباً بالمصالحة الخليجية، وأكدت أن ذلك ينعكس إيجابياً على الثورة السورية، كيف ترون علاقاتكم مع دول الخليج العربي؟ وما هي نقاط الاختلاف أو التوافق بينكم؟
– نحن نقف من كل مسعى لرأب الصدع ولمّ الشمل العربي موقفاً إيجابياً.. وموقفنا من المصالحة الخليجية الأخيرة جاء ضمن هذا السياق.. ولا شك أن تماسك الصف العربي يصب في الحفاظ على ثروات ومصالح شعوب هذه المنطقة الهامة من العالم.
علاقتنا جيدة بمعظم دول الخليج.. ونحن نمد يدنا لإزالة أية شبهات تعترض طريق هذه العلاقات التي تنعكس إيجابياً على الطرفين.. ولا نرى مصلحة لأيٍ كان في التضييق الذي يُشنّ لتشويه الحركة الإسلامية تحت مسمى حرب الإسلام السياسي.
- ما هو موقفكم من توجه المجتمع الدولي إلى حل سياسي يبدأ بصياغة دستور وانتخابات شاملة؟ هل يمكن أن تكونوا جزءاً من هذه الانتخابات أو توافقوا عليها في ظل مشاركة نظام الأسد فيها؟
– إن المشاركة في أي انتخابات يجريها النظام خطأ استراتيجي قاتل، يجب أن لا تقع فيه المعارضة، لأن النظام فقد شرعيته عندما قتل شعبه (رغم شرعية الأمر الواقع التي يملكها بحكم استيلائه على السلطة)..
ومشاركة المعارضة في هذه الانتخابات التي سيفوز فيها بشار الأسد (رغم أنف القتلى والجرحى والمعوقين والمشردين في مدن سورية وقراها) سوف يعيد له هذه الشرعية التي يفتقدها.