الإخوان المسلمون في سورية

حوار مع صديق ليبرالي

د. محمد حكمت وليد
سألني صديق ليبرالي: هل يقبل الإخوان المسلمون رئيساً علوياً لسورية جاء عن طريق صناديق الاقتراع؟ فأجبته: هذا السؤال افتراضي، ولا أعتقد من خلال تجربة العقود الأخيرة أن الشعب السوري يمكن أن ينتخب (في انتخابات حرة نزيهة) رئيساً متوحشاً يرميه بالبراميل المتفجرة ويستعين عليه بالأجنبي الإيراني والروسي ليقمع ثورته، كما أنه لم يحصل في تاريخ سورية سابقاً أن انتخب الشعب السوري رئيساً علوياً، وكما نعلم جميعاً فإن حافظ الأسد جاء للحكم عبر حركة انقلابية (سماها التصحيحية)، ومسرحية تعديل الدستور السوري ليتلاءم مع عمر بشار الأسد لوراثة أبيه قصة مشهورة ما تزال ماثلة في الأذهان.
فأعاد صديقي سؤاله: ولكن ماذا لوكان رئيساً علوياً غير بشار الأسد، لأن العلويين خائفون من الانتقام ويريدون تطمينات؟ فقلت في تقديري لا يمكن تحميل كل الطائفة مسؤولية أوزار بشار الأسد وأبيه من قبله، ولكن لا تملك أي جماعة ولا أي دولة مهما عظمت تطمينات تعفي المجرمين الذين أوغلوا في دماء الناس وأعراضهم، وتطمين الطائفة الحقيقي ينبع من انخراطها في المشروع الوطني المقاوم للظلم والطغيان، والتضحية في سبيل ذلك، والانخراط الحقيقي في هذا المشروع هو الذي يعطيها المصداقية والثقة، فالطائفة بحاجة إلى من يحميها من نفسها التي ورطتها مع نظام يرتكب باسمها كل الجرائم ويستخدم أبناءها لقتل شركائهم في الوطن، وتبقى ساكتة رغباً أو رهباً، ليست التطمينات يا صديقي هبة يهبها الآخرون، ولكنها جائزة تكتسب اكتساباً بالجد والعمل والتضحية لإزاحة كابوس الإجرام والمجرمين عن كاهل الشعب السوري.
لقد تأخرت الطائفة كثيراً في الانفكاك عن هذا النظام، والتحاقها بالركب الوطني ولو متأخرةً أفضل من مواصلة السير معه إلى الهاوية.
وتابع صديقي الليبرالي أسئلته قائلاً: ماذا لو أقرت صناديق الاقتراع تشريعات مخالفة لعقيدتكم؟ فقلت له إن الجواب على هذا السؤال تحكمه قواعد مرجعية تحتكم إليها الجماعة، وفي ذلك تفصيل:
أولاً- نحن مسلمون، ومرجعيتنا الخاصة مرجعية إسلامية، نؤمن بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة، ونعتقد أن الخير في ذلك للأمة والوطن، وكذلك نحن سوريون نحتكم للمرجعية الوطنية والعيش المشترك مع المواطنين مهما تكن خلفياتهم، نحتكم سياسياً للمرجعية الوطنية المعبر عنها بصندوق اقتراع حر نزيه، وأن أي معارضة لأي قانون لا يلائم مرجعيتنا الإسلامية نعبر عنه عبر الآليات الديمقراطية التي هي جزء أصيل من الحياة السياسية.
وعوداً على سؤالك الذي سألت أقول: إذا أفرزت صناديق الاقتراع -الحر النزيه- تشريعاً مخالفاً لما نعتقده فإنا نرفضه عقدياً (كما تقتضي مرجعيتنا الإسلامية) ونقر بخسارتنا في ذلك الشأن انتخابياً (كما تقتضي مرجعيتنا الوطنية الديموقراطية) ونعمل على تغييره عبر صناديق الاقتراع بالوسائل الديموقراطية نفسها.
وعندما أطرق صديقي ساهماً في الأفق البعيد، قلت له قد جاء دوري لأسألك الآن؟
ألست تعتقد يا صديقي أننا الآن نلعب في الوقت الضائع ولم يعد في المسرح خشبة، وراح زمن الترف السياسي والفكري؟ لقد احترق المشهد، وجثث الخيول مرمية على جوانب مضمار السباق، وما زلنا نراهن على أيُها سوف يسبق.
ألست ترى معي أن تاريخ الليبراليين والعلمانيين العرب يخبرنا أنهم يحتكمون للديموقراطية عندما تكون في صالحهم، وينقلبون عليها عندما تكون في صالح الإسلاميين؟
لقد رأيناهم يتحالفون مع الديكتاتوريات (المناقضة لمبادئهم) عندما يكون الخصم هو الإسلاميين، ويعبرون عن مواقفهم بكلمات تدل على كراهة للإسلام تفوق كراهتهم للديكتاتورية.
وما زاد الأمر ضغثاً على إبّالة ازدواجية المعايير في الدول الديموقراطية العريقة، فهي تمارس ميكيافيلية فجة تؤيد الديموقراطية في بلدانها وتحاربها في بلدان العالم العربي، وتتسامح وتؤيد الديكتاتوريين العرب بمختلف أشكالهم وألوانهم.
المشكلة يا صديقي ليست في الإسلام ولا عند الإسلاميين، ولكنها عند مزدوجي المعايير والمصابين بداء الإسلاموفوبيا في مرحلة تحولات تاريخية حاسمة ستحدد تاريخ واتجاهات المنطقة لعقود قادمة.

محرر الموقع