الإخوان المسلمون في سورية

حول الانتفاضة الشعبية ضد نظام الملالي في إيران

أشعر أننا يجب أن نقول شيئاً نبين فيه موقفنا للناس، ومع أن موقفنا في عقولنا وقلوبنا – نحن أصحاب المشروع الإسلامي الحق- صريح واضح بيّن غير ملتبس، إلا أنه ليس كذلك في أذهان الكثير ممن حولنا، ولاسيما وفي الساحة بعض من يحاول أن يستثمر في ربط مشروعنا الإسلامي الواعد بمشروع الولي الفقيه بكل أبعاده وجرائمه وقباحاته..
وأشعر أننا مطالبون بالقول والبيان والإعذار إلى ربنا وإلى الناس من حولنا، إلى خاصتنا، وعامتنا، وصديقنا، وخصمنا وعدونا، وإلى المتربصين بنا، وإلى المزاودين على موقفنا..
ولو أن قومي أنطقتني رماحهم.. نطقت ولكن الرماح أجرّت
أشعر أننا مطالبون بالقول أكثر، مع علمي أننا قلنا كثيرا، وبيّنا كثيرا، ولكن ما تزال الساحة بحاجة إلى المزيد من القول، لأنه ما يزال فيها الكثير من عوامل الالتباس ودواعيه..
وأول عوامل الالتباس أن بعض من يحسبون علينا ونحسب عليهم في هذا الفضاء الإسلامي العربي المفتوح ما زالوا يخيّل لهم فيدهنون مع مشروع الملالي الذي نابذناه نحن السوريين منذ 1980، أي بعد عام من عودة الخميني إلى طهران… لماذا لا نذكّر من لا يذكر؟؟
أتذكر مقالاً لي أرسلته إلى مجلة “الحوادث” في ذلك الزمان، استعرضت فيه دعاوى ما كان يسمى “الثورة الإسلامية” وقلت فيه: وعلى البساط الطائفي طوى كل من الخميني وحافظ الأسد الركب، ووضعوا استراتجية اللقاء. ولكي لا أكون مدّعيا، فقد نشرت لي مجلة الحوادث يومها المقال “في بريد القراء” ، وتفاءل أحد الأحباب وقال بداية موفقة فاستمر..!!
رسالة أريد أن أرسلها لكل باحث عن الحقيقة، إن سخونة الجرح السوري، وعمقه، جعلت الإسلاميين السوريين أكثر تنبهاً لطائفية الموقف الإيراني، وبشاعته. ولكن لم يكن هذا كل شيء، فقد انضم إلى هذه العوامل عوامل كثيرة أهمها الدم المسفوك ظلماً في حرب الثمانينات بين إيران والعراق.
وأريد أن أضيف أمرا يخصني: إن موقفنا من مشروع الولي الفقيه بأبعاده، لا يجوز أن يبنى على بعد طائفي وإن كانت الطائفية هي كل ما يطفو على السطح فيه، ليس لأنهم شيعة، وليس لأنهم يخالفوننا في قراءة التاريخ، وليس لأنهم يتهموننا بما لا حقيقة له، بل فقط لأنهم “معتدون” ظالمون” قام مشروعهم على قائمتي “الهيمنة والنفوذ” وتوسلوا إلى ذلك بكل المفردات المذهبية والعرقية الشعوبية والثقافية والانغماس في مشروعات المؤامرة العالمية بأبعادها.. فاحتلوا وقتلوا وانتهكوا وسلبوا كأبشع ما فعلت قوى الاحتلال في العالم.
إن الذين سمحوا لمشروع الملالي بالانتصار قي طهران، هم أنفسهم الذين سمحوا لتنظيمات الغلاة والمتطرفين على الجهة الأخرى بالظهور وممارسة عمليات التخريب والتشويه باسم الإسلام أيضا. علينا أن نذكر هذا ولا ننساه، إنها اللعبة نفسها، بوجوه متعددة.
الحقيقة التي يجب أن ننهيها إلى المسلمين جميعا، وإلى خاصتنا في العالم العربي، أن سهم نظام الولي الفقيه من العنوان الإسلامي المرفوع للتشويه، ليس أكثر من نصيب عصابات الغلو والتطرف، التي انتشرت بين المسلمين لتقطع الطريق على المشروع الإسلامي الحقيق القريب من الانتصار!!
ويسألني سائل: وأين هو المشروع ىالإسلامي الحقيق؟؟ وأجيب، ومن هنا يجب على دعاة الإسلام الحقيق، أن يتميزوا، ولذا أطالبهم أو أنتظر منهم أن يتكلموا، وان يبينوا للناس ((هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ)) وأن يقطعوا الطريق على كل عوامل الالتباس. أفصحوا عن أنفسكم “فلا ينسب لصامت قول” بل إن الكثيرين يفسرون صمتكم عكس ما تريدون…
وإنه ليس من السياسة في شيء أن يذكر بعض الناس المشتركات مع عدو يحتل ويقتل وينتهك وفي وقت تسير فيه الدماء وتنتهك فيه الأعراض.. ثم يحسب ذلك من العدل أو الإحسان في شيء..
حضرت منذ أيام في لندن، جلسة وفاء وعزاء في أخينا الراحل الحبيب إبراهيم منير، وبينما المؤبنون، يقولون ما فتح الله عليهم في حق راحل كان من وصيته رحمه الله تعالى، أن لا يقول أحد في تأبينه غير الدعاء له، دون تعداد ما له من فضل ويد، فجأنا شخص من هناك يدعى إلى المنصة ليقول، ولولا جلال الموت وهيبته لكان من حق أمثالي أن يغادروا المجلس، فليس من صدق أن تقتلنا في ساح، وأن تبكي علينا في آخر. لا أنسى وأنا السوري الذي أخرجت من وطني عام عاد الخميني إلى طهران، وإنه لتوافق عجيب، كيف أن القوم البُهت، زوروا كلام الرئيس محمد مرسي وهو يتكلم على الهواء، وعلى رؤوس الأشهاد؟؟ ما لكم يا قوم فأين تذهبون…
أن يغضب الإيرانيون من نظام الملالي، وأن يثوروا عليه، وأن يخلعوا كل الدجالين عن أكتافهم؛ فهذا حق وصدق، ونحن المسلمين العرب والسوريين، معهم في كل هذا، نؤيدهم ونساندهم ولا نملك إلا دعاء بالخير والنصر لصنع غد أجمل لإيران ولشعبها، ولكل مكوناته، ولفضائها الجيوسياسي، فلا محاولات تغلّب ولا سيطرة ولا هيمنة ولا نفوذ.. لا باسم الدين، ولا باسم المذهب، ولا باسم آل البيت، ولا باسم الثأر للحسين، ولا باسم الممانعة والمقاومة الكذوب..!!
نحن مع الانتفاضة الإيرانية التي تملك البوصلة الرهيفة لشعب يريد أن يتحرر، من التبعية ومن أداء دور العصا القذرة على من يليه من شعوب المنطقة، كما يريد أن يتحرر من الخرافة والجهل المتراكم كقطع الليل المظلم، ظلمات بعضها فوق بعض. وأتذكر عبارة من المعجم السياسي لإيران الشاه “الشرطي الأمريكي في المنطقة” وبقدرة قادر تحول الشرطي إلى عصا قذرة بكل أبعاد القذارة، هل ترانا ندافع عن نظام “رضا بهلوي”، الذي رقضت الولايات المتحدة أن تمنحه حق الإقامة على أرضها؟؟
في صناعة الموقف أكثر ما نحتاج إلى وضوح الرؤية. أتذكر في 1979 يميننا العربي ويسارنا العربي وحركاتنا الإسلامية الكل اصطف مع ما كنا نسميهم “آيات الله” ولا نريد أن نظل في دوامة دفع الآفات بالآفات، والبلايا بالبلايا، والتردد بين المتعوس وخايب الرجاء.
 كذا يجب أن يكون وضوح الرؤية عندنا في إيران وكذا وضوح الرؤية عندنا في العراق وفي سورية وفي لبنان وفي اليمن وفي كل قطر عربي…
ومع كل تموجات الربيع، ربيع الخلاص، للشعوب المبتلاة بقوى الجهل والاستبداد المسيطرة. ومع تأييد ثوراتنا على كل ترسبات الخرافة والجهل والتعصب والمقت، الموروثة أو المستنبتة على ضفاف عقولنا وقلوبنا، مع كل هذا بوضوح، ومن غير تردد، ولكننا في الوقت نفسه ضد كل تأرجحات ردود الأفعال العمياء، فاقدة البصر والبصيرة.. ضد تشحط السكران في الأزقة الضيقة، جدار يصد، وجدار يرد.
نعلن عن موقف صريح واضح لا تردد فيه ولا تلعثم: أننا – أصحاب المشروع الإسلامي الحقيق – ضد مدارس الغلو وحب العلو في الأرض بكل مذاهبه ومدارسه..
نعلن- أصحاب المشروع الإسلامي الحقيق- عن موقف صريح واضح أننا ضد نظام الولي الفقيه، شكله وطرائقه ومناهجه، وفي كل المحطات التي مرّ خلالها.. ونستغفر الله من لحظة زاغت أبصارنا فيها، فحسبنا الجمرة تمرة.
نعلن تأييدنا الصريح الواضح لكل جهود التغيير المبصر الرشيد، في إعادة الحقوق لشعوب منطقتنا في الحياة والاختيار …
نرفض أن نحاصر بين قوسي الشر، الاستبداد والفساد، والكراهية والتعصب، كما نرفض كل يراد لنا من مقت الذات…!!

زهير سالم

مدير مركز الشرق العربي، قيادي سابق في جماعة الإخوان المسلمين في سورية