استقبل بالأمس بشار الأسد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني بالأقنعة الظاهرة. نقول ذلك لأن أتباع دين التقية دائما يلتقون مع الآخرين ومع بعضهم بالأقنعة الخفية.
وقد فاجأت الزيارة المراقبين والمتابعين، فلم يتفقوا على تحليل عملي مقنع للسبب الملجئ، الذي يدفع الطرفين أن يكسرا الرسوم الاستثنائية، لتحقيق لقاء فيزيائي يقف فيه الرجلان، في هيئة غير معتادة من قبل عصر كورونا..
لا بد أن نؤكد أن الحرص على أن اللقاء الفيزيائي له أسبابه الموجبة، والتي لم يكن تجاوزها بنوع من اللقاءات الافتراضية، وكلنا نعلم أن لجميع وسائل التواصل الاجتماعي آذانا وقرون تحسس واستشعار..
سيكون من البساطة أن نصدق الرواية الإيرانية أن سبب الزيارة هو: دراسة العلاقات الثنائية – والتطورات الإقليمية – وآخر المستجدات السياسية، فهذا كلام عام لا يسمن ولا يغني..حتى لقاء جواد ظريف مع وليد المعلم هو لقاء برتوكولي محض، لا علاقة له بجوهر الزيارة، وحقيقتها. ربما تحميل جواد ظريف رسالة جدية لبشار الأسد هو نوع من الاعتذار الضمني، يوم زار الأسد طهران، واستثني من لقائه ظريف، حتى دفعه للاستقالة الغاضبة.
ولكي ندرك بالحقيقة سر الزيارة استنتاجا علينا أن نتساءل من هي الدول القادرة عمليا على اختراق أي لقاء افتراضي، عبر وسائل التواصل، ويحذر من الاطلاع على مضمون الزيارة الرجلان..؟
بالتأكيد لا شيء تقليدي، ولا شيء يهتم بواقع إدلب، ولا أستانا، فالقضايا هناك خارجة أصلاً عن إرادة الطرفين.. هي قضايا تحسم على مستوى اللاعبين الروسي والتركي على السواء.
القضية الأولى التي يخاف الأسد أن يطلع عليها الروس، هو حجم الريبة التي بدأت تستبد به، وترشح يوماً بعد يوم رسائل روسية متعددة الطبقات، كلها تتحدث عن إخفاقه وفساده وانفضاض السوريين عنه. صحيح أن ما يصدر عن موسكو مجرد دخان، ولكن بشار الأسد يخاف أن يكون له ضرام.. !!
وماذا ينتظر بشار الأسد من إيران في هذا الميدان؟؟ هو بالتأكيد لا ينتظر نصرة بالمعنى اللغوي الدقيق للفظ، فإيران لا تنصر على الروس، ولكنه ينتظر التماساً أو شفاعة تخفف الوطأة، وتستعيد الرضوان، وإعادة تحديد الأرض والسقف التي يقف عليها وتحتها الطرفان، وحسبما يشتهي الروس؛ لكل هذا يحتاج بشار إلى جلسة مفاتحات ومكاشفات وشكاوى لا يحسن أن يطلع عليها مباشرة الروس ولا الأمريكيون..
والملف الثاني الذي يقلق بشار الأسد وملالي طهران على السواء هو تداعيات: ملف كورونا بعبئه الإنساني والاقتصادي على واقعهم، يضغط هذا الواقع منجدلاً مع الموقف الأمريكي والعقوبات الأمريكية. وللوصول لموقف موحد من الموضوعين لا بد من الكثير من الكلام والتنسيق والذي يجدر أن يتم بعيداً عن الآذان ولا يسمعه أحد..
هل تم التفاوض في الملفين، أو في أحدهما دون الآخر ؟ هو سؤال مفتوح، ومحتمل.
ربما المفيد أن نقول لجواد ظريف ولحسن روحاني ولعلي خمنئي الذين ارتضوا على مدى تسع سنوات أن يكونوا العصا (الروسية – الأمريكية) القذرة: إن المدراء الذين قد قرروا التخلي عن الأجراء..!!
وهذا المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، بعد أن خدمتموها كيفما أرادت، يقول لكم بالأمس إن دوركم في سورية كان عنفاً وقتلاً وعدم استقرار..!!
وستكتشفون قريبا أن المشروع الروسي الذي انتعلكم طويلا ًعلى الأرض السورية، وانتعلكم هو تعبير استراتيجي محض، يمتلك رؤية غير رؤيتكم، وقد ذهب بالقصعة بكل ما فيها، وها هو يترككم ويترك صاحبكم حيث ترون اليوم..
كثيرون كانوا يتحدثون من قبل عن الذكاء الإيراني وكنّا نقول لهم بل هو الغباء والحمق أن تراهن على الفرد، وتعادي الشعب ومن وراء الشعب أمة.
ظهرت الأقنعة، والأقنعة إذا ظهرت فقد سقطت. ويبدو أن عوامل كثيرة باتت تعجل ساعة الحساب، ومنها كورونا التي تحاصركم من يمين وشمال.