الإخوان المسلمون في سورية

ستون عاماً من الثورة

أحيّيكم بهذه الذكرى..
كثير من الأحباب والأصدقاء -وبحسن نيّة- حين يتحدثون عن هذه الثورة المباركة الطيبة، التي أكرمنا الله بانتصارها، يقولون بأنّ الشعب السوري ما زال.. أو أن هذه الثورة قد مضى عليها أربعة عشر عاماً أو ثلاثة عشر عاماً، وأن الله قد أكرمنا بالنصر.
أنا أقول لهؤلاء الإخوة الأحباب -مع تقديري لحسن نيتهم وجمال طويتهم- أنهم بهذا الاختزال يهدرون جهوداً مباركة لمئات الألوف، بل لملايين السوريين أيضاً، ظلوا يحملون راية هذه الثورة، راية هذه الثورة..
منذ أن سيطر حزب البعث على السلطة، أكثر من ستة عقود، منذ أن قام في سورية حكم الاستبداد، ارتفعت رايات الثورة، بأشكال وأساليب مختلفة؛ ثورة الإرادة، وثورة الكلمة، وثورة الموقف، وثورة الرفض، والثورة بثيابها الأخرى. هذه حقيقة لا يجوز أن نبخس بها شعبنا ولا أنفسنا، ولا حضارتنا.
يقول المتحدثون في السياسة، إن من لوازم وجود أي احتلال أن تكون هناك مقاومة، ونحن كشعب سوري حرّ عزيز كريم، علينا أن نعتز بأنه منذ أن كان في سورية استبداد، كانت هناك حركات مناهضة، كانت هناك مجموعات مناهضة، كان هناك رجال مناهضون لهذا الاستبداد، ثائرون عليه، رافضون له، وقد تجلى ذلك في معارك ومواقع وحوادث كثيرة تحفظها كتب التاريخ ويجب أن تكتب ويجب أن تؤرّخ.
حين يُدهش العالم الآن -أو يتصنع العالم الدهشة الآن- مما رأى من “صيدنايا”، نحن نقول أو أنا أقول، بأن الذي جرى في “تدمر” خلال عشرين سنة، من سنة 1980 وحتى مطلع التسعينات، من 1960 حتى مطلع التسعينات، الذي جرى في سجن تدمر لم يكن أقلّ هولاً ولا أقلّ بشاعة، ولا أقل دموية، ولا أقل توحشاً، ولا أقل كمّاً، كيف وكم، مما جرى في صيدنايا.
استمعوا أو اقرؤوا ما كتبه العماد “مصطفى طلاس” في كتابه “أيام هزت دمشق”، يوقع في كل أسبوع -هو يقول- قائمة بإعدام شباب وأبناء سورية، قائمة تقترب من مائة إنسان أسبوعياً، تذكروا هذا.. هذا لا أنت تريد ولا أنا أريد ولا أي متحدث منا يريد أن ينسى تضحيات هؤلاء الشهداء.
أتقدم باسمنا جميعاً بالتعزية للآباء والأمهات، للأبناء والبنات، للإخوة والأخوات، مع.. لا يمكن أن نقول أن عمر هذه الثورة أربعة عشر عاماً، وأنا حين الآن أذكر بكل ذلك أرجو ألا يقال أن هناك في كلامي منحىً يحبّ البعض أن يسميه المنحى الحزبي.. العزيز الراحل رياض الترك، مجموعة “حزب العمل” الشيوعي، كم عانوا؟ كم مكثوا؟ وكم وكم؟ وغيرهم وغيرهم من شباب سورية.
صحيح أن الهجمة الكبرى كانت في الثمانينات، منذ السبعينات والثمانينات، كانت على جيل الحركة الإسلامية، وأنا أريد أن أقول إنصافاً للحقيقة والتاريخ: ليس كل الذين قضوا تحت راية الإخوان المسلمين، كانوا من الإخوان المسلمين، هم شباب سوري حر، رجالات سوريين أحرار، يعني أعضاء النقابات الذي سجنوا وقُتل بعضهم في الثمانينات، لم يكن فيهم -إذا صحت العبارة- لأحد من الإخوان المسلمين؛ نقابة الأطباء ونقابة المهندسين ونقابة الصيدلة و.. و.. كل النقابات العلمية التي تم مصادرتها واعتقال أفرادها، حلّها، تركيب نقابات مزورة..
أنا أذكر بهذا فقط ليخرج بعض الناس من عقلية القوقعة، اقرؤوا ما كتب صاحب القوقعة.. أنا لا أحب هذه القوقعة.. أحب أن نكون مواطنين سوريين بالمعنى المفتوح، وأن نفتح معركتنا على تاريخ هذا النظام، وأن نقول إنّ عمر الثورة السورية المباركة التي نصرها الله هو عمر نظام الاستبداد والفساد..
منذ أن قام هذا النظام، كان في المجتمع السوري قوى حقيقية؛ رجال أحرار، معارضون، بأساليب، وطرائق، كانت هناك ثورة، ثورة خفية، كانت هناك شعلة، حملها السوريون الأحرار، من عام إلى عام، ومن موسم إلى موسم، حتى حطّت رحالها الآن.
أسأل الله أن يتم علينا النعمة، وأن يأخذ بأيدينا إلى ما يحب ويرضى.
ليس في كلامي هذا أيّ معنىً من معاني التزاحم ولا التضاد. ليس تضاداً، وإنما هو تقرير لواقع؛ ثورتنا عمرها من عمر ظالمنا، لم يَنَمْ الشعب السوري يوماً على ضيم، وإنما كان في كل مرحلة يقدّم شهداء ويقدّم تضحيات ويرفع صوته بأن يقول للظالم لا.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

زهير سالم

مدير مركز الشرق العربي، قيادي سابق في جماعة الإخوان المسلمين في سورية