الإخوان المسلمون في سورية

سيّد الفقهاء والحكماء

 

إنه، بلا منازع، سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ودلائل علمه وحكمته أعظم من أن تحصى. ونقف عند دليل واحد لعلنا نجعله نبراساً لنا يهدينا في ظلمات الخصومة والتعصّب والنزاع والفُرقة.

 

حديث نبوي قد نحفظه عن ظهر قلب، وقد رواه البخاري ومسلم. ففي رواية البخاري:

 

عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لنا لما رجع من الأحزاب: “لا يُصلّينّ أحدٌ العصرَ إلا في بني قريظة”. فأدرك بعضَهم العصرُ في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيَها. وقال بعضهم: بل نصلي، لم يُرَد منا ذلك. فذُكرَ ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فلم يعنّف واحداً منهم.

 

وفي رواية مسلم: “… فتخوّف ناسٌ فَوْتَ الوقت فصلّوا دون بني قريظة، وقال آخرون: لا نصلي إلا حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن فاتنا الوقت. قال: فما عنّف واحداً من الفريقين”.

 

أي إنه، صلى الله عليه وسلم، بأبي هو وأمي، لم يقل للفريق الذي صلّى قبل الوصول إلى بني قريظة: كيف خالفتم كلامي وقد قلت لكم صراحةً: لا تصلوا إلا في بني قريظة؟. ولم يقل للفريق الذي لم يصلّ في الطريق ولو فاته الوقت: ما أشدّ جمودكم، وما أقلَّ فهمكم!. تأخذون بظاهر اللفظ وتَدَعون السياق والفحوى وروح النص!.

 

لقد حَرَصَ كل فريق على التزام أمر النبي صلى الله عليه وسلم واختلفا في فهم هذا الأمر، وكان لفظه محتملاً للفهمين من غير تعسّف. وحتى لو قدّرنا أن أحدهما كان مخطئاً في فهمه، فإن له أجراً، كما أن للفريق المصيب أجرين.

 

وعلى هذا سار علماء الأمة الكبار، والأمثلة في فقههم كذلك أكثرُ من أن تُحصى. ونكتفي كذلك بمثال واحد:

 

ثبت عند الحنفية أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزِدْ في القعود الأول، في صلاة ثلاثية أو رباعية، على قراءة التشهد، فقرّروا أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع مكروهة مخالفة للسنة، ومن فعلها ناسياً فعليه سجود السهو.

 

ورأى الشافعية أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع مندوبة، لعموم الأمر بها كلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم.

 

فلا الحنفية منعوها جفاء منهم، ولا الشافعية قالوا بمشروعيتها ابتداعاً منهم، بل تحرّى كل من الفريقين اتباع النبي صلى الله عليه وسلم.

 

وإذا كان الأمر كذلك في مسائل لا حصر لها، فما بال بعضنا إذا علم حكماً في مسألة، على مذهب من المذاهب، تراه يتعصب لهذا الحكم، عرف دليله أو لم يعرف، ويتهجم على حكم وصل إليه علماء في مذهب آخر، وقد يصطنع معركة مع ذلك المذهب، ويفتعل الشحناء والبغضاء مع من يخالفه؟!.

 

ألا يسعُنا أن نغلّب مشاعر الحب في الله، والسماحة وسَعَة الأفق وسعة الصدر وحسن الظن وقبول اجتهاد أهل العلم وإن خالفوا اجتهادنا أو خالفوا اجتهاد من نقلّدهم؟!.

 

ألا يجدر بنا أن نتعلم من حكمة النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وأخلاق الأئمة الفقهاء الكبار من بعده؟!.

 

وإنه لا ينتهي عجبي ممن يتعصب لرأي اختلف فيه العلماء عبر العصور وراح يتهكم بأصحاب الرأي المخالف ويسفّه رأيهم… ثم يقول: ينبغي أن نحترم الرأي والرأي الآخر… متى؟. إذا كان صاحب الرأي الآخر ينعق خارج ميادين الشريعة، ولا يقيم لحكم الله ورسوله وزناً!.

 

محمد عادل فارس