الإخوان المسلمون في سورية

شهادات موثقة

محمد السيد

 

هذه شهادات حديثة، ولكني أقول أولاً: إنّه ليس كل قديم معيباً أو فاقداً روحه الأصيلة في معترك جديد لزمان تململت فيه الكلمة والمعنى، وضيّع المصطلح فيه طهره ونزاهته، أو كما قال شاعر مجيد: هذا عصر يلاحق حتى القتلى، ويشكك بالشهداء، إنه عصر حرب المصطلحات والأفكار كما أعلن الأميركيون، وشكلوا لذلك مؤسسات وميزانيات، ليشككوا الناس حتى بحقيقة وجودهم كآدميين.

 

ومع ذلك فإليك أيها القائل المريب بعض شهادات حديثة تدحض فرية زائفة قالت وتقول لتعيث في الرؤوس فساداً وإفساداً وكراهية وعبثاً دعائياً لا نهاية له إلا الفوضى الخلاقة، تلك البدعة المجنونة، التي لا نراها إلا سكيناً ذا حدّين، قد..! وقد..!

 

1- مما قاله رجال الإخوان عن أنفسهم وجماعتهم

 

– قال محمد قطب يرحمه الله: “إنّ من بين الوسائل الخفية والظاهرة التي استخدمها أعداء الصحوة الإسلامية إلى الإسلام استدراج الدعوة إلى قضايا فرعية ومعارك فرعية يستنفذون جهودهم ويستهلكون طاقاتهم؛ فينصرفون بها عن مهمتم الرئيسة في إنشاء القاعدة المسلمة بالمواصفات المطلوبة على الزمن المديد دون استعجال في الزمن وفي البناء”. (من كتابه واقعنا المعاصر ص 434).

 

– ويقول محمد السيد (قيادي إخواني) في كتابه (كيف تصبح كاتباً)، مبيّناً أن الحوار هو الوسيلة المختارة عند الجماعة في إدارة عملية الإقناع: “يكون التغلب على النزعة غير الخيرة عند الخصم بالحوار والإقناع وتقديم الحياة القدوة وحسب، أما امتشاق الأدوات الأخرى (المعروفة)، فلا تكون إلا للدفاع عن النفس تجاه من لم تنفعه حروف الحوار، فراح يضرب يمنة ويسرة، غير موظف لخطوط الخير التي خلقها الله فيه” (كيف تصبح كاتباً “كتاب لمحمد السيد” 2013).

 

– وينقضّ الإمام البنا الشهيد على فرية اتهام الجماعة بالتطرف فيهدمها بقوله في (رسالة التعاليم)، مبيّنا مواصفات الأخ المسلم: “أن تكون رحيم القلب كريماً سمحاً، تعفو وتصفح وتلين وتحلم وترفق بالإنسان والحيوان. جميل المعاملة حسن السلوك مع الناس جميعاً”. (رسالة التعاليم للإمام الشهيد حسن البنا، ط1، دار عمار- الأردن 2013، ص 25).

 

– ويقول الأستاذ الشيخ المستشار (عبدالله العقيل) في معرض تقديمه لكتاب “رسالة هل نحن قوم عمليون” للإمام البنا، ط1، 2014- دار المأمون:

 

“ولكن المسيرة العامة لجماعة الإخوان المسلمين لا زالت تشق طريقها وسط كل العقبات وأمام كل التحديات ولم تسلك في وسائلها وأساليبها مسار العنف”. (ص 11 من الكتاب المذكور الذي ألّفه ونشره الإمام الشهيد البنا في آب/ أغسطس 1934م، وقامت دار المأمون- عمان- الأردن بنشره مجدداً طبعة أولى 2014).

 

وفي صفحة 12 يقول المستشار العقيل: “إن تاريخ الإخوان المسلمين في كل الأقطار، يثبت أنهم لم يمارسوا العنف قط لتحقيق أهدافهم”.

 

فهذه شهادة فذّة من أحد أعمدة الإخوان المسلمين، تدحض تهمة التطرف، وترسي فكرة الإنسانية.

 

ويقول الشهيد الإمام يرحمه الله: “هذه أيها الناس هي أصول الإصلاح الإسلامي وقواعده:

 

1- ربانية: تحيا عليها القلوب الميتة، ويرتفع بها الشعور الإنساني إلى الملأ الأعلى، ويصل الناس بالله.

 

2- إنسانية: ترفع من خسيسة هذا الغلاف الطيني.

 

3- عالمية: تجعل البشرية كلها إخواناً على الحق وأعواناً على الخير. (من كتاب أنور الجندي “الإخوان المسلمون في ميزان الحق” مركز الإعلام العربي، ط2، 2013، من المقدمة التي كتبها الإمام حسن البنا لكتاب الأستاذ أنور الجندي).

 

وتعضدها شهادة أخرى من المصدر نفسه ولكن من ص37، إذ يقول الإمام الشهيد يرحمه الله: “وليست الوسيلة (وسيلة الإخوان في الوصول لأهدافهم) “القوة”.. فإن الدعوة الحقة تخاطب الأرواح أولاً، وتناجي القلوب، وتطرق مغاليق النفوس، ومحال أن تُثبت بالعصا، أو أن نصل إليها على شبا الأسنة والسهام، ولكن الوسيلة في تركيز كل دعوة وثباتها؛ معروفة معلومة مقروءة لكل من له إلمام بتاريخ الجماعات، وخلاصة ذلك جملتان: إيمان وعمل ومحبة وإخاء”.

 

أما الشهادة الأوضح، فهي آتية من “المشروع السياسي لسورية المستقبل: رؤية جماعة الإخوان المسلمين في سورية”، ص 35، ط1، 2004. إذ جاء قول المشروع: “تدعو الجماعة إلى الوسطية والاعتدال، وتتبنى منهج الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة في الدعوة إلى الله عزّ وجلّ وتتعامل مع الحركات والأحزاب غير الإسلامية من منظور القواسم المشتركة” (ص36).

 

وتستنكر الجماعة الإرهاب سواء كان إرهاب دولة أو إرهاب الأفراد والجماعات ص37.

 

– كانت الجماعة عبر مسيرتها وتاريخها منذ عام 1945م فصيلاً وطنياً، يمثّل تياراً شعبياً تعايش مع كل الفصائل السياسية في سورية وافق فكرها أو خالفه، وهي لا تُقرّ أسلوب العنف (ص 38).

 

– والجماعة إذ تدعو اليوم إلى نبذ العنف وإلى الحرية والتعددية السياسية فإنها تدعو إلى ذلك انطلاقاً من مبادئها (ص 39)

 

فالإخوان المسلمون على ما نقلنا من أدبياتهم ورؤاهم في أقطارهم، وعلى ما يعترف الجميع أنهم في كل مراحل وجودهم لم يتخذوا العنف وسيلة لتحقيق الأهداف أبداً، وإذا حدث أن وقعت وقائع منعزلة في فترة ما من قبل العنف، فهو ليس منهجاً، بل هو إما حادث فردي شخصي، أو أنه كان اضطرارياً للدفاع عن النفس، بعد أن زاد حاكم سورية في الثمانينات من القرن الماضي من حجم إرهابه للمجتمع السوري وللجماعة؛ قتلاً وتعذيباً وتشريداً وقمعاً ومصادرة تامة للعمل السياسي.

 

وختاماً نقتبس من دراسة للدكتور عبدالله علي إبراهيم قدّمها لشبكة الجزيرة الإعلامية عن كتاب “الإخوان المسلمون.. تطور حركة إسلامية” لمؤلفته “كري ويكهام” أستاذة العلوم السياسية في جامعة “إيموري” الأميركية. يقول د. عبدالله: “ويستغرب المرء لهم يذيعون الذائعات عن إرهاب الجماعة (من يسميهم الدكتور الليبرويساريون)، لتسويغ محوها من بسيط السياسة، وهم يعلمون عنها، ويعرفون تحولها إلى حركة اجتماعية جماهيرية علماً عن كثب خلال صراعهم معها”.

 

وها هي نيويورك تايمز في تقرير لمراسلها في الشرق الأوسط “ديفيد ي كيركباتريك” يقول فيه: “إن جماعة الإخوان المسلمين شجبت على نحو متكرر الإرهاب والعنف”.

 

وهو قول: ينفي ما ذهب إليه بعضهم من أن الجماعة لم تحمل العبء المكافئ في مواجهة بعض الفصائل المسلحة المتطرفة في سورية. سبحان الله، وهل كان للإخوان في سورية قوة تقف لهؤلاء بالمواجهة، إن ما كان باستطاعتهم فعلوه في بيان حال هؤلاء المتطرفين وضررهم على الثورة، وكان ذلك مرات ومن خلال تصريحات وبيانات.

 

والسؤال أخيراً يوجّه إلى من حمل مثل هذا الرأي غير المنطقي: ماذا فعل هو ومن تبعه في مواجهة هؤلاء؟!…

 

إخوان سورية