رضوان زيادة
غالباً ما ترتبط كلمة العار بالفردية، إذ لا وجود لعار يصيب المجتمع بأكمله، إذ يصبح عندها العار مقبولاً ويحمل اسماً مختلفاً من مثل المشاركة الجماعية في الخطيئة أو الجريمة، لكن المعتقلات السورية وبخاصة سجن صيدنايا هي مسرح مفتوح للعار الجماعي ليس للسوريين فحسب وإنما للعالم أجمع. نظام الأسد يقتل تحت التعذيب آلاف المعتقلين ويخفي جثثهم وبعد سنوات يعلن وفاتهم، إنها جريمة مستمرة متعددة الأوصاف، وليس لها وجه واحد وإنما عدة وجوه. فالاعتقال السياسي جريمة والإخفاء القسري جريمة ثم التعذيب جريمة ضد الإنسانية ومن ثم القتل خارج نطاق القضاء والقانون جريمة ضد الإنسانية، فما لك إذا كانت الجريمة منتشرة على واسع نطاق وتشمل الآلاف.
تبدو الكلمات في الحقيقة لا معنى لها أمام عذابات الضحايا وعذابات الأهل الذين ينتظرون أحباءهم كي يعرفوا بعد سنوات من الألم والانتظار أنهم قضوا تحت تعذيب سادي جهنمي لا يمكن وصفه ولا يمكن اعتبار من قام به بشراً فضلاً أنه يمكن أن ينتمي إلى عصرنا اليوم.
لقد تطور العالم في ما يتعلق بمواثيق حقوق الإنسان الدولية، لكن، التعذيب في شكل خاص أفردت له المنظومة الدولية مكانة خاصة، ففضلاً عن الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وللمفارقة، سورية هي إحدى الدول الموقعة عليها، وهي تنص على تحريم التعذيب، وقد اعتمدتها الجمعية العامة وفتحت باب التوقيع والتصديق عليها والانضمام إليها في 10 كانون الأول (ديسمبر) 1984.
ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في 26 حزيران (يونيو) 1987، وصادقت عليها سورية في 19 آب (أغسطس) 2004 أي في عهد بشار الأسد، وقدمت تقاريرها إلى لجنة مناهضة التعذيب المعنية بمراقبة الدول الموقعة على الاتفاقية.
تنص الاتفاقية في بنودها على أنه «يقصد بالتعذيب أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسدياً كان أم عقلياً، يلحق عمداً بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث – أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب يقوم على التمييز أياً كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية، ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها».
وتضيف في مادتها الثانية: «لا يجوز التذرع بأي ظروف استثنائية أياً كانت، سواء أكانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديداً بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي أو أي حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر للتعذيب». وتحدد الاتفاقية «تضمن كل دولة طرف أن تكون جميع أعمال التعذيب جرائم بموجب قانونها الجنائي، وينطبق الأمر ذاته على قيام أي شخص بأي محاولة لممارسة التعذيب وعلى قيامه بأي عمل آخر يشكل تواطؤاً ومشاركة في التعذيب».
نظرت لجنة مناهضة التعذيب في تنفيذ الاتفاقية في سورية في ظل عدم تقديم تقرير خاص طلبته اللجنة في جلستها 1072 المعقودة في 16 أيار 2012 واعتمدت عدة ملاحظات في جلستها المعقودة في 30 أيار 2012 كالتالي: إن هناك انتهاكات لأحكام الاتفاقية ارتكبتها السلطات السورية على نطاق واسع بما فيها ما يلي: تعذيب المحتجزين بمن فيهم الأطفال الذين تعرضوا للتعذيب والتشويه أثناء الاحتجاز وسوء معاملتهم؛ شن هجمات واسعة النطاق أو منهجية على السكان المدنيين بما في ذلك قتل المتظاهرين المسالمين والاستخدام المفرط للقوة ضدهم؛ الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفاً؛ الاحتجاز التعسفي على أيدي قوات الشرطة والجيش؛الاختفاء القسري أو غير الطوعي؛ اضطهاد المدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين في مجال حقوق الإنسان.
ولاحظت اللجنة أن انتهاكات حقوق الإنسان تلك الواسعة النطاق تحدث في سياق الإفلات التام والمطلق من العقاب نظراً إلى عدم إجراء تحقيقات فورية وشاملة ونزيهة في تلك الحالات من جانب السلطات السورية. ولاحظت أيضاً أنه يدعى أن تلك الانتهاكات المنتشرة ترتكب بأمر مباشر من السلطات العامة أو بتحريض منها أو بموافقتها أو برضاها.
وحددت مواضع انتهاكات الاتفاقية وحدوثها من قبل النظام السوري وفق ما هو موثق في التقارير كانتشار اللجوء إلى ممارسات التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية التي يتعرض لها المحتجزون والأفراد المشتبه بمشاركتهم في المظاهرات والصحافيون والمدونون على الإنترنت والمنشقون عن قوات الأمن والجرحى أو المصابون والنساء والأطفال (بما يخالف المواد 2 و11 و13 و16)؛ اللجوء الاعتيادي إلى ممارسات التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية كأداة تبدو متعمدة وجزءاً من سياسة الدولة لغرس الخوف وتخويف السكان المدنيين وترويعهم (المادتان 2 و16) وتجاهل سلطات الدولة التام لطلبات الهيئات الدولية الرسمية والخبراء الدوليين بوقف تلك الانتهاكات (المادة 2)؛ التقارير الواسعة النطاق عن العنف الجنسي الذي يرتكبه موظفون حكوميون ولا سيما ضد المحتجزين الذكور والأطفال (المادتان 2 و16)؛ الانتهاكات الجسيمة لحقوق الطفل التي ترتكبها السلطات السورية على نطاق واسع، بما فيها تعذيب الأطفال وإساءة معاملتهم وقتلهم أثناء المظاهرات واحتجازهم في شكل تعسفي؛ وجود أماكن احتجاز سرية وعن عدم تمكن جهات الرصد الدولية والوطنية من الأشخاص والمنظمات في الوصول إلى أماكن الاحتجاز. ومراكز الاحتجاز السرية تشكل في حد ذاتها خرقاً لأحكام الاتفاقية وتؤدي لا محالة إلى حالات تعذيب وسوء معاملة مخالفة للاتفاقية (المواد 2 و11 و12 و13 و16)؛ شن هجمات واسعة النطاق من جانب قوات الأمن على السكان المدنيين في جميع أنحاء البلد ما أسفر عن الكثير من حالات الإعدام بإجراءات موجزة، بما فيها حالات قتل المسنين والنساء والأطفال الذين يحاولون الفرار من الهجمات على المدن والقرى (المادة 2)؛ الاستخدام المفرط للقوة، وبخاصة استخدام الأسلحة الفتاكة الثقيلة ضد المتظاهرين المشاركين في مظاهرات سلمية والاستخدام المتواصل للقصف المدفعي للمناطق السكنية من جانب وحدات تابعة للقوات المسلحة السورية وقوات الأمن المختلفة والطابع المنسق لهذه الاعتداءات بما في ذلك هدم المنازل وتدميرها عمداً كوسيلة للانتقام أو المعاقبة (المادتان 2 و16)؛ شن حملات مداهمة منتظمة من جانب قوات الأمن داخل المستشفيات للبحث عن المتظاهرين الجرحى وقتلهم وحرمان المحتجين الجرحى المعتاد من المساعدة الطبية ما تسبب أحياناً في وفاة أشخاص (المواد 2 و11 و12 و13 و16)؛ قتل الصحافيين والمحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين في مجال حقوق الإنسان (المواد 2 و13 و16)؛ انتشار محاولات إخفاء أعمال القتل التي ترتكبها قوات الأمن بما في ذلك استخدام القبور الجماعية (المادتان 12 و13)؛ انتشار التوقيف التعسفي وغير المشروع وما يعقبه من احتجاز غير مشروع للسكان المدنيين بمن فيهم المسنون والأطفال والنساء (المادتان 2 و16)؛
كل هذه التوصيفات وردت عام 2012 فماذا نقول اليوم بعد كشف كل هذه الصور والتقارير الموثقة عن وفاة آلاف في سجون نظام الأسد، هذا ما يدفعنا إلى التكرار دوماً أن الأسد لم يعد نظاماً سياسياً وإنما ميليشيات طائفية منفلتة العقال تزداد شراسة ووحشية وكلما استمرت في حكم سورية وتبديد مواردها، زادت عذابات السوريين وآلامهم.
* كاتب سوري
الحياة اللندنية